بيان 30 مارس
| ||||
---|---|---|---|---|
تعديل |
٣٠/٣/١٩٦٨
تعديلأيها الإخوة المواطنون:
الآن يصبح فى إمكاننا أن نتطلع لالمستقبل، وقبل دلوقتى زى ذلك ماكانش ممكن إلا بالاستغراق فى الأحلام أو الأوهام، والاتنين لا تستسلم له الشعوب المناضلة، فضل عن أن فيه فى الوقت نفسه هى عند مفترق الطرق الحاسمة وقدام تحديات المصير.
قبل دلوقتى ماكانش فى مقدورنا أن ننظر لأبعد من مواقع أقدامنا؛ فلقد كنا بعد النكسة مباشرةً على حافة جرف معرض للانهيار فى أى وقت. و كان واجبنا فى ذلك الظرف يحتم علينا - قبل أى شىء آخر- أن نتحسس طريقنا لأرض أصلب تتحمل وقفتنا، و أرض أرحب تتسع لحركتنا.
ولقد كانت جماهير الشعب بموقفها يومى ٩ و١٠ يونيه هى التى جعلت ذلك قابل للتحقيق؛ بفضل ما أظهرته من تصميم يرفض الهزيمة ويثق فى النصر. إن الموقف المؤمن والبطولى الذى اتخذته جماهير شعبنا فى ذلك الظرف العصيب، هو وحده الذى مكن للتحولات الهامة، التى وقعت من كده الوقت من أن تحدث فعلها و أثرها؛ ب يكون فى مقدورنا اليوم أن نقول بأمل فى الله عظيم: إنه دلوقتى يصبح فى إمكاننا أن نتطلع لالمستقبل. ومن دلائل الخير أن يكون ذلك فى مقدورنا اليوم فى ذكرى عيد الهجرة بما تحمله لالمؤمنين من معانى التضحية فداءً للمبدأ، والنضال المستمر علشان الحق، والصبر على المشاق فى سبيل نصر الله عزيزاً وصادقاً.
أيها الإخوة المواطنون:
إن الموقف البطولى المؤمن لجماهير شعبنا يومى ٩ و١٠ يونيو، هو وحده الذى صنع عدداً من التحولات الهامة مكنت لعملنا من أن يبتعد عن الحافة الخطرة التى كان عليها بعد النكسة، ليقف على الأرض الأصلب، وليستشرف الأفق الأوسع الذى يستطيع أن يتحرك عليه نحو أهداف نضاله الشريفة والغالية.
وأبرز دى التحولات كمان يلى:
أولاً: إننا استطعنا إعادة بناء القوات المسلحة، و كانت تلك بداية ضرورية وبغير بديل، إذ كنا نريد جداً وحقاً أن نصحح آثار النكسة، و أن نزيل العدوان، و أن نسترد ما ضاع منا فيه. بغير إعادة بناء القوات المسلحة ماكانش قدامنا غير تقبل الهزيمة مهما كانت آمالنا، ومهما كان إيماننا؛ ذلك أن منطق ده العصر - ولعله منطق كل العصور- أن الحق بغير القوة ضائع، و أن أمل السلام بغير إمكانية الدفاع عنه استسلام، و أن المبادئ بغير مقدرة على حمايتها أحلام مثالية مكانها السماء، مش ليها على الأرض مكان.
ثانى: إننا استطعنا تحقيق مطلب الصمود الاقتصادى، فى وقت كانت الأشياء كلها تسير فى اتجاه معاكس لفرصة تحقيقه، ولقد ساعد على ذلك رضا الشعب بالمزيد من التضحيات، وساعد عليه موقف عربى أصيل فى مؤتمر الخرطوم، وساعد عليه أصدقاء لنا على اتساع العالم كله، وقفنا معاهم فوقفوا معنا.
ولقد كان محتماً أن يسير مطلب الصمود الاقتصادى جنباً لجنب مع عملية إعادة بناء القوات المسلحة؛ فماكانش فى استطاعتنا بغير اقتصاد سليم أن نوفر لاحتمال الحرب، ولا كان مجدى أن نقف رابضين على خطوط النار فى الوقت نفسه مقدرتنا على الإنتاج معطلة بعد الخطوط، وشبح الجوع يهددنا بأسرع من تهديد العدو لنا.
تالتاً: إننا استطعنا تصفية مراكز القوى التى ظهرت، و كان من طبيعة الأمور وطبيعة النفوس أن تظهر فى مراحل مختلفة من نضالنا.
إن الشغل السياسى لا يقوم به الملايكه و إنما يقوم به البشر، والقيادة السياسية مش سيفاً بتاراً قاطعاً، و إنما هى عملية موازنة وعملية اختيار بعد الموازنة، والموازنة دائماً بين احتمالات مختلفة، والاختيار فى كثير من الظروف بين مخاطر محسوبة.
ولقد تجاوزت الأمور حد ما ممكن قبوله بعد النكسة؛ علشان مراكز القوى وقفت فى طريق عملية التصحيح خوفاً من ضياع نفوذها، ومن انكشاف ما كان خافى من تصرفاتها. و كان ذلك لو ترك وشأنه كفيل بتهديد جبهة الصمود الشعبى؛ و علشان كده فلقد كان واجباً - بصرف النظر عن أى اعتبار- تصفية مراكز القوى، وما كانتش تلك بالمسألة السهلة إزاء المواقع التى كانت تحتلها مراكز القوى، وفى إطار الظروف الدقيقة التى كان يعيشها الوطن.
رابعاً: إننا استطعنا - وهذه مسألة أخلاقية ومعنوية أعلق عليها قيمة كبيرة - أن نضع قدام الجماهير- بواسطة المحاكمات العلنية - صورة كاملة لانحرافات و أخطاء مرحلة سابقة. و كان رأيى أن دى مسئولية لازم يتحملها نظامنا الثورى بأمانة وشجاعة، و كان رأيى كمان أن الضمير الوطنى الذى أحس بأن انحرافات و أخطاء قد وقعت من حقه ومن مصلحته أن يعرف الحقيقة، و أن يخلص وجدانه من أثقالها، و أن ينفض عن نفسه كل رواسب الماضى؛ لكى يدخل لالمستقبل بصفحة نقية طاهرة. ومع كل العذاب الذى تحملته شخصى وتحمله المواطنين معىفىدى العملية، فلقد بقى إيمانى بضرورتها كإيمانى بطب الجراحة يقطع لينظف، ويبتر لينقذ.
خامساً: إننا استطعنا أن نقوم بجهد سياسى واسع على جبهات عريضة؛ جبهات عربية وجبهات دولية، وتنوعت جهودنا وتعددت على دى الجبهات بالاتصال المباشر مع الأصدقاء فى الدول الاشتراكية، وفى مقدمتها الاتحاد السوفيتى الذى أكدت لنا ظروف النكسة صداقته المخلصة وتعاونه الصادق ووقوفه الصلب فى جبهة الثورة العالمية المعادية للاستعمار، كمان مع الدول غير المنحازة، ومع الدول الآسيوية والإفريقية، ومع الدول الإسلامية، ومع كل الشعوب الراغبة فى سلام قائم على العدل، ومع كل الساسة العالميين اللى يستطيع بعد نظرهم أن يتجاوز نكسة عارضة فى تاريخ أمة كان ليها دورها العظيم فى التاريخ، وسوف يكون ليها الدور العظيم فى مصير الإنسانية.
إن دى التحولات كلها قادها ودعمها إحساس عميق بالواجب عند كثيرين من رجالنا فى كل مجالات المسئولية فى القوات المسلحة، ومن خبراء الاقتصاد والعاملين فى وحدات الإنتاج، ومن الملتزمين بأهداف النضال الشعبى والقادرين على خدمتها، ومن المشتغلين بالسياسة والفكر والدبلوماسية؛ كل هؤلاء ساهموا فى قيادة ودعم دى التحولات التى تقارب المعجزة، والتى نستطيع بعدها أن نقول اليوم: دلوقتى يصبح فى إمكاننا أن نتطلع لالمستقبل.
أيها الإخوة المواطنون:
و دلوقتى ونحن نتطلع لالمستقبل، اعتقادى الأكيد أن خير ما نستطيع أن نتسلح به لمواجهة مسئولياتنا المقبلة هو أن يكون فى يدنا برنامج عمل محدد، ندرسه معاً، ونقره معاً، وتتفق عليه إرادتنا جميعاً؛ برنامج عمل يكفل وصولنا لالأهداف القريبة لنضالنا، ويقرب منا يوم الوصول لالأهداف البعيدة لده النضال، برنامج عمل لا تختلف فيه الاجتهادات، ولا تتصارع الآراء ولا تتصادم القوى، برنامج عمل نمسك به فى أيدينا، و بعد ما يتحقق لقاء فكرنا عليه؛ بعدين نمضى على طريق الكفاح الطويل وفى يدنا خريطة للأفق الفسيح قدامنا، وخطة عمل لتقدمنا على ده الأفق، برنامج للتغيير يستجيب للآمال العريضة التى حركت جماهير شعبنا لوقفتها الخالدة يومى ٩ و١٠ يونيو، وهى الوقفة التى سأظل دائماً و لآخر لحظة فى العمر مؤمن بأنها كانت بعثاً للثورة، وتجديداً لشبابها، و إلهاماً لا يخيب، وضوءاً لا يخبو قدام طريق المستقبل.
ولقد ابتدت التغيير - كمان تعرفون - بإعادة تشكيل الوزارة، والذى يعنينى فى تشكيل الوزارة الجديدة أنه جه لمواقع الحكم بصفوة من شباب ده الوطن، لا يدين واحد من منهم بمنصبه لأى اعتبار اللا اعتبار علمه وتجربته فى الشغل السياسى، وهم على أى حال يمثلو جيل جديداً يتقدم نحو قمة المسئولية. و لجانب ذلك فهناك تغييرات تانيه قادمة فى قيادات الإنتاج، وفى السلك الدبلوماسى، وفى المحافظين، وفى رؤساء المدن.
إن الكثيرين ممن يشغلون دى المناصب أدوا مسئولياتهم بجدارة واستحقاق، لكن بعضهم ماكانش على مستوى المسئولية سياسى وتنفيذى، ومن الضرورى عليهم وعلينا إفساح المجال للأقدر والأجدر. لكن التغيير يبقىبعد كده اكبر من أن يكون مسألة أشخاص، و إنما التغيير الذى نريده لازم يكون اكتر بعداً واكتر عمقاً من مجرد استبدال شخص بشخص. إن التغيير المطلوب لابد له أن يكون تغييراً فى الظروف وفى المناخ، و إلا أى أشخاص جدد فى نفس الظروف وفى نفس المناخ هايسيرون فى نفس الطريق الذى سبق ليه غيرهم.
إن التغيير المطلوب لازم يكون فكراً أوضح، وحشداً أقوى، وتخطيطاً أدق؛ وبكده يكون للتصميم معنى، وتكون للإرادة الشعبية مقدرة اجتياح كل العوائق والسدود، نافذة واصلة لهدفها.
أيها الإخوة المواطنون:
إن المسئولية التاريخية للأيام العصيبة والمجيدة التى نعيش فيها، ونعيش لها، تطرح بنفسها علينا برنامج عمل له جانبان:
الجانب الأول: حشد كل قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية على خطوطنا مع العدو؛ لتحرير الأرض وتحقيق النصر.
الجانب الثانى: تعبئة كل جماهيرنا بما ليها من إمكانيات وطاقات كامنة؛ علشان واجبات التحرير والنصر، وعلشان آمال ما بعد التحرير والنصر.
أيها الإخوة المواطنون:
سوف أبدأ بالجانب الاولانى من برنامج عملنا المقترح و هو الحشد، و إنى لأرجو أن يكون اتفاقنا كامل على أنه مش هناك دلوقتى - ولا ينبغى أن يكون هناك دلوقتى - صوت أعلى من صوت المعركة، ولا نداء أقدس من ندائها. إن أى تفكير أو حساب لا يضع المعركة وضروراتها الاول وقبل كل شىء لا يستحق أن يكون تفكيراً، ولا تزيد نتيجته عن الصفر.
إن المعركة ليها الأولوية على كل ما عداها، وفى سبيلها وعلى طريق تحقيق النصر فيها يهون كل شىء، ويرخص كل بذل؛ مال كان أو جهداً أو دماً، ومهما كان السبيل الذى نسلكه لتحرير الأرض وتحقيق النصر فإنه يصبح سبيل مسدوداً بغير استعداد للمعركة؛ سواء قبلنا بطريق الشغل السياسى وسرنا فيه لمداه؛ نتيجته مرهونة باستعدادنا للمعركة، وسواء يئسنا من الشغل السياسى وتركناه وواجهنا أقدارنا فى ميدان القتال؛ النتيجة معلقة على استعدادنا للمعركة. ولقد أبدينا استعدادنا - ولا نزال - للعمل السياسى عن طريق الأمم المتحدة أو غيره من الطرق، ونحن نضع مع أشقائنا العرب كل وسايلنا؛ سواء بواسطة مؤتمرات القمة، أو بواسطة التنسيق الثنائى المباشر. ونحن نتعاون مع كل القوى الشعبية العربية علشان المقاومة المسلحة للعدو، وكافة أشكال المقاومة التانيه. ونحن نفتح عقولنا وقلوبنا للعالم كله من نفس المنطق الذى حكم نضالنا الطويل؛ و هو أننا نصادق من يصادقنا ونعادى من يعادينا.
نحن نفعل ذلك كله عن تقدير واع لنتائجه الواقعة والمحتملة، لكننا بعده لازم نكون مستعدين للمعركة مهما كلفتنا، وحتى إذا وقفنا فيها وحدنا. إن الأرض أرضنا والحق حقنا، والمصير مصيرنا، ولا نستطيع قدام أنفسنا، وقدام أمتنا العربية، وقدام الأجيال القادمة من أبنائنا و أحفادنا لالأبد أن نتردد أو نتخاذل أو نوزع التبعات على التانيين، مهما اقتضانا ذلك من التكاليف على مواردنا وعلى أعصابنا وعلى أرواحنا.
ده هو الجانب الاولانى من برنامج عملنا، ولا أظنه بيننا موضع خلاف؛ ذلك علشان الخيار فيه هو النصر أو الهزيمة، الشرف أو العار، الحياة أو الموت، مش هناك خيار حقيقى فى ذلك كله؛ علشان القرار حتمى، و هو أننا نختار النصر، ونختار الشرف، ونختار الحياة.
أيها الإخوة المواطنون:
أنتقل دلوقتى لالجانب التانى من برنامج عملنا المقترح، و هو تعبئة كل جماهيرنا بما ليها من طاقات و إمكانيات علشان واجبات التحرير والنصر، وعلشان آمال ما بعد التحرير والنصر، وفى ده الصدد فإنى أطرح النقط اللى بعد كده :
١- إنه من الضرورى والحيوى حشد كل القوى الشعبية، وبوسيلة الديمقراطية وعلى أساسها؛ بعد أهداف نضالنا القريبة والبعيدة، أى بعد واجب المعركة، بعد أمل إتمام بناء المجتمع الاشتراكى الذى حققنا منه كثيراً، وينبغى أن نحقق منه أكثر.
٢- إن صيغة الاتحاد الاشتراكى هى اكتر الصيغ ملاءمة لحشد القوى الشعبية بوسيلة الديمقراطية وعلى أساسها، وهى تجسيد حى وصحى لمعنى أن تكون الثورة للشعب وبالشعب، بعدين إنها الضمانبعد كده لتجنب دموية الصراع الطبقى، ولكفالة فتح أسرع الطرق و أكثرها أمان لالتقدم.
والاتحاد الاشتراكى - كمان تذكرون وفقاً للميثاق - هو واجهة عريضة تضم تحالف قوى الشعب العاملة كلها، بعدين تنظيم سياسى يقوم وسطها من الطلائع القادرة على قيادة التفاعل السياسى نحو هدف تذويب الفوارق بين الطبقات. وما كانتش المشاكل التى عاناها الاتحاد الاشتراكى تعود لقصور أو عيوب فى صيغته العامة، و إنما كانت أسباب القصور والعيوب تعود لالتطبيق.
وأول دى الأسباب هو أن عملية إقامة الاتحاد الاشتراكى لم تبن على الانتخاب الحر من القاعدة لالقمة.
٣- إن علينا دلوقتى أن نعيد بناء الاتحاد الاشتراكى عن طريق الانتخاب من القاعدة لالقمة؛ أى من اللجان التأسيسية فى القرية، والحى، والمصنع، والوحدة، لالمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، و للجنته المركزية، و لاللجنة التنفيذية العليا.
وتذكرون أننى كنت قد أشرت فى خطابى يوم ٢٣ يوليه الماضى لتكوين اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، و كان التصور ساعتها أن تكون بالتعيين، ولقد أجلت ذلك خلافاً لما قلت ووعدت به، عن اقتناع بأن أسلوب التعيين مش احسن الأساليب، و أن التعيين فى النهاية قد لا يعطينا إلا ما تفرزه مراكز القوى، أو ما تقدمه المجموعات المختلفة والشلل، مش ذلك هو المرجو، مش هو ما يحقق لنا الهدف والدور الذى كنا نطلبه للجنة المركزية.
إن طريق الانتخاب هايعطينا الحل الأوفق؛ أن ياتبنا الاتحاد الاشتراكى بالإرادة الشعبية وحدها، و أن تقوم قوى الشعب العاملة باختيار قيادتها المعبرة عنها والمستوعبة لآمالها الثورية، بعدين تدفعها لمواقع القيادة السياسية.
أيها الإخوة المواطنون:
من دى النقط الثلاث فإنى أقترح البرنامج التنفيذى التالى:
١- تجرى الانتخابات للوحدات التأسيسية للاتحاد الاشتراكى العربى، وتتدرج الانتخابات لحد توصل لالمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، الذى ينتخب بدوره اللجنة المركزية، التى تنتخب بدورها رئاستها، وهى اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى.
٢- يظل المؤتمر القومى المنتخب للاتحاد الاشتراكى العربى قائماً لما بعد إزالة آثار العدوان، ويعقد دورة عامة بكامل هيئته مرة كل 3 شهور؛ لكى يتابع مراحل النضال ويوجهها، ويصدر فى شأنها ما يرى.
٣- تظل اللجنة المركزية المنتخبة من المؤتمر القومى فى حالة انعقاد دائم، وتقوم لجانها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية برسم سياسات الشغل فى كل المجالات؛ استهدافاً لتحقيق النصر و إعادة البناء الداخلى.
٤- إن مجلس الأمة الحالى قد قارب على استيفاء مدته الدستورية، و هو لم يفرغ بعد من المهمة الأساسية التى أوكلت إليه؛ وهى وضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة. و إذا كان المجلس لم يتمكن من أداء دى المهمة فينبغى للإنصاف أن نذكر له دوره الكبير، وما قام به من عمل يستحق التقدير. والمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى - و هو أعلى سلطة ممثلة لتحالف قوى الشعب العاملة - قد يرى أن يقوم بنفسه بعملية وضع مشروع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة، و يرى فى الأمر رأى آخر. ومهما يكن فإنه من المهم أن يكون مشروع الدستور الدائم معداً ب ممكن فور انتهاء عملية إزالة آثار العدوان أن يطرح للاستفتاء الشعبى العام، و أن تتلوه مباشرة انتخابات لمجلس أمة جديد على أساس الدستور الدائم، وانتخابات لرئاسة الجمهورية.
٥- إن اللجنة المركزية للمؤتمر القومى هايكون عليها - غير واجباتها المحددة فى قانون الاتحاد الاشتراكى، وغير مسئوليات الظروف الخاصة للنضال الوطنى فى مرحلته الحاضرة - شوية مهام إضافية هى: بناء التنظيم السياسى لطلائع الاتحاد الاشتراكى، وتحديد مهام الشغل الوطنى للمرحلة الجديدة والتنسيق بينها، بعدين المشاركة فى وضع الخطوط العريضة للدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة.
أيها الإخوة المواطنون:
لكى يكون هناك ضوء كاف على طريقنا فإننى أريد من دلوقتى أن أضع قدامكم تصورى لبعض المهام الرئيسية فى المرحلة القادمة من نضالنا:
١- تأكيد وتثبيت دور قوى الشعب العاملة وتحالفها وقياداتها فى تحقيق سيطرتها بالديمقراطية على الشغل الوطنى فى كافة مجالاته.
٢- تدعيم عملية بناء الدولة الحديثة فى مصر، والدولة الحديثة لا تقوم - بعد الديمقراطية - إلا استناداً على العلم والتكنولوجيا؛ و علشان كده فإنه من المحاتعمل المجالس المتخصصة على المستوى القومى سياسى وفنى؛ لكى تساعد على الحكم، و لجانب مجلس الدفاع القومى؛ فإنه لابد من مجلس اقتصادى قومى؛ يضم شعباً للصناعة، والزراعة، والمال، والعلوم، والتكنولوجيا، ولابد من مجلس اجتماعى قومى؛ يضم شُعباً للتعليم والصحة و غيرها مما يتصل بالخدمات المختلفة، ولابد كمان من مجلس ثقافى قومى؛ يضم شعباً للفنون وللآداب وللإعلام.
٣- إعطاء التنمية الشاملة دفعة اكبر فى الصناعة والزراعة لتحقيق رفع مستوى الإنتاج والعمالة الكاملة، مع الضغط على أهمية إدارة المشروعات العامة إدارة اقتصادية وعلمية.
٤- الشغل على تدعيم القيم الروحية والخلقية، والاهتمام بالشباب و إتاحة الفرصة قدامه للتجربة.
٥- إطلاق القوى الخلاقة للحركة النقابية سواء فى نقابات العمال أو نقابات المهنيين.
٦- تعميق التلاحم بين جماهير الشعب وبين القوات المسلحة.
٧- توجيه جهد مركز نحو عمليات البحث عن البترول؛ لما أكدته الشواهد العملية من احتمالات بترولية واسعة فى مصر، ولما يستطيع البترول أن يعطيه لجهد التنمية الشاملة من إمكانيات ضخمة.
٨- توفير الحافز الفردى؛ تكريماً لقيمة الشغل من ناحية، واحتفاظاً للوطن بطاقاته البشرية القادرة، و إفساح فرصة الأمل قدامها.
٩- تحقيق وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب.
١٠- ضمان حماية الثورة فى ظل سيادة القانون، ولعله يكون مناسباً أن تقوم اللجنة المركزية بتشكيل لجنة خاصة، ويكون لهذه اللجنة حق نظر كل الإجراءات التى ترى السلطة اتخاذها لدواعى الأمن الوطنى فى الظروف الراهنة.
أيها المواطنون:
طلباً لمزيد من الضوء والوضوح أمد البصر كمان لبعض الخطوط العامة التىلازم- فى تقديرى - أن يتضمنها الدستور؛ لكى تكون من دلوقتى تحت سمعنا وبصرنا دليل ومرشداً.
إن الدستور الجديد لازم يكون حقيقة عملية وسياسية، تعيش فى واقعنا وتنبع منه؛ ولده فإنى أقترح من دلوقتى أن تتضمن مواد الدستور الخطوط الأساسية العامة اللى بعد كده :
١- أن ينص الدستور على تحقيق وتأكيد الانتماء المصرى لالأمة العربية؛ تاريخى ونضالى ومصيرى، وحدة عضوية فوق أى فرد و بعد أى مرحلة.
٢- أن ينص الدستور على حماية كل المكتسبات الاشتراكية وتدعيمها؛ بما فيها النسبة المقررة بالميثاق للفلاحين والعمال فى كل المجالس الشعبية المنتخبة، واشتراك العمال فى إدارة المشروعات و أرباحها، وحقوق التعليم المجانى والتأمينات الصحية والاجتماعية، وتحرير المرأة، وحماية حقوق الأمومة والطفولة والعيله.
٣- أن ينص الدستور على الصلة الوثيقة بين الحرية الاجتماعية والحرية السياسية، و أن تتوفر كل الضمانات للحرية الشخصية والأمن بالنسبة لكل المواطنين فى كل الظروف، و أن تتوفر كمان كل الضمانات لحرية التفكير والتعبير والنشر والرأى والبحث العلمى والصحافة.
٤- أن ينص الدستور على قيام الدولة العصرية و إدارتها؛ علشان الدولة العصرية لم تعتبر مسألة فرد ولم تعتبر بالتنظيم السياسى وحده، و إنما بقا للعلوم والتكنولوجيا دورها الحيوى، ولده فإنه لازم يكون واضحاً أن رئيس الجمهورية يباشر مسئولية الحكم بواسطة الوزراء، وبواسطة المجالس المتخصصة التى تضم خلاصة الكفاءة والتجربة الوطنية، بما تحققه إدارة الحكومة عن طريق التخصص واللامركزية.
٥- أن ينص الدستور على تحديد واضح لمؤسسات الدولة واختصاصاتها؛ بما فيها رئيس الدولة والهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية. ومن المرغوب فيه أن تتأكد سلطة مجلس الأمة باعتباره الهيئة التى تتولى الوظيفة التشريعية، والرقابة على أعمال الحكومة، والمشاركة فى وضع ومتابعة الخطة العامة للبناء السياسى، وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كذلك من المرغوب فيه إفساح الفرصة لوسايل الرقابة البرلمانية والشعبية لتحقيق حسن الأداء وكفالة أمانته.
٦- أن ينص فى الدستور على تأكيد أهمية الشغل باعتباره المعيار الوحيد للقيمة الإنسانية.
٧- أن ينص فى الدستور على ضمانات حماية الملكية العامة، والملكية التعاونية، والملكية الخاصة، وحدود كل منها ودوره الاجتماعى.
٨- أن ينص فى الدستور على حصانة القضاء، و أن يكفل حق التقاضى، ولا ينص فى أى إجراء للسلطة على عدم جواز الطعن فيه قدام القضاء؛ ذلك أن القضاء هو الميزان الذى يحقق العدل ويعطى لكل ذى حق حقه، ويرد أى اعتداء على الحقوق أو الحريات.
٩- أن ينص فى الدستور على إنشاء محكمة دستورية عليا، يكون ليها الحق فى تقرير دستورية القوانين وتدورها مع الميثاق ومع الدستور.
١٠- أن ينص فى الدستور على حد زمنى معين لتولى الوظايف السياسية التنفيذية الكبرى؛ وذلك ضمان للتجدد وللتجديد باستمرار.
أيها الإخوة المواطنون:
لقد قصدت أن أتناول اكبر قدر ممكن من رءوس المسائل وتفاصيلها؛ ليكون برنامج الشغل الذى تمسك به أيدينا فى المرحلة القادمة قادراً على الوفاء وعلى دخليق، بعد كده فإنى أرى طرح ده البرنامج الذى أقترح أن نسميه اختصاراً بتاريخ ده اليوم ٣٠ مارس للاستفتاء العام، وبطرح برنامج ٣٠ مارس سنة ١٩٦٨ للاستفتاء العام فإنى أقصد بكده أن يكون واضحاً لنا جميعاً ما نريد، و أن يكون موضع اتفاقنا؛ كذلك أريده أن يكون واضحاً قدام أمتنا العربية ومدعاة لثقتها فى وحدة النضال واستمراره، و أريده كمان أن يكون واضحاً قدام الصديق وقدام العدو على حد سواء، وموضع اعتبار كل اللى يقفون معنا وكل اللى يقفون ضدنا.
إن الدستور المؤقت الصادر سنة ١٩٦٤ يعطى لرئيس الجمهورية حق أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة المتصلة بمصالح البلاد العليا؛ وذلك وفقاً للمادة ١٢٩ منه، و إذا كان فيه من يتصور صعوبة الاستفتاء العام فى زى الظروف التى نعيش فيها فإننا نرى أن ذلك وقته، وظروف المعركة مش حائل دونهلكن إننا نراه ضرورة من ضرورات المعركة.
إن المعركة مش معركة فرد، و مش معركة جيش، و إنما هى معركة شعب ومعركة أمة بأسرها، وهى فى نفس الوقت معركة حياة أو موت.
إن قوى الشعب العاملة هى وحدها التى تستطيع توفير كل ضرورات النصر، وحشد كل الطاقات اللازمة لتحقيقه، و إعطاء اكبر قدر من إرادة الصمود لجبهة ميدان القتال.
إن أى نظام ثورة يستند على الجماهير وحدها لا يكفيه أن يكون الشعب وراءه راضى ومؤيداً، و إنما هو يحتاج لاكتر من كده؛ يحتاج علشان يكون الشعب قدامه موجهاً وقائداً.
أيها الإخوة المواطنون:
إذا كان ده البرنامج تمثيل صحيحاً لأفكارنا جميعاً فإننى أرى الخطوات التنفيذية اللى بعد كده :
١- أن يجرى الاستفتاء العام على برنامج ٣٠ مارس سنة ١٩٦٨ فى يوم الخميس ٢ مايو سنة ١٩٦٨.
٢- بعد ظهور نتيجة الاستفتاء، و إذا كانت النتيجة بنعم فسوف أصدر قراراً بتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على انتخابات المؤتمر القومى، ويحق ليها أن تنضم لعضويته العاملة بعد انتهاء عملية انتخابات المؤتمر.
٣- على ده الأساس فإنه ممكن للمؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى أن يجتمع يوم الثلاثاء ٢٣ يوليه سنة ١٩٦٨، ويعقد دورة افتتاحية ينتخب فى نهايتها لجنته المركزية.
أيها الإخوة المواطنون:
إن سجل نضالنا يشهد لشعبنا أن الشعب الذى غير بكفاحه خريطة الشرق الأوسط، و أزال من فوقها سيطرة الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، وتصدى فى وسطها لمحاولات الاستعمار الجديد، وتحمل تبعات الوحدة العربية سِلماً وحرباً، وفجر عصر الثورة الاجتماعية، وبنى أعظم السدود، وقهر الصحراء، و أقام أول قاعدة عربية للصناعة المتقدمة، ده الشعب يملك المقدرة ويملك التجربة لتجاوز هزيمة عارضة فى تاريخه وتاريخ أمته.
إننا هانحقق كمان حققنا، وسوف ننتصر كمان انتصرنا، ولتعلو إرادة الحق فوق كل إرادة؛ لأنها جزء من إرادة الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.