ليوبولد فون رانكه
ليوبولد فون رانكه Leopold von Ranke (فيهى ، تورينجن ، مملكة سكسونيا ، 21 ديسمبر 1795 - برلين ، 23 مايو 1886 ) ، مؤرخ المانى ، عميد مدرسة برلين التأريخيه. بيرجع ليه الفضل فى اعتبار التاريخ علم قايم بذاته بيدرس بطريقه اكاديميه فى المانيا. و من اوائل الدارسين الغربيين اللى اتوصفو بمؤرخين و اقتصرت مجهوداتهم على دراسة التاريخ.
فى البدايه اتخصص فون رانكه فى الدراسات القديمه و اللاهوت و بعدين دخل فى خدمة ملوك بروسيا و اتعين سنة 1825 استاذ مساعد للدراسات القديمه فى جامعتها و بعدين ااترقا و بقى استاذ و فضل فى المنصب ده لغاية وفاته فى برلين سنة 1886.
فون رانكه كان عميق الايمان بالمسيحيه على المذهب اللوثرى ( البروتستانتى ) و عقيدته الفلسفيه كانت مثاليه على مذهب فيخته. اتأثر بأفكار يوهان جوتفريد هيردر بخصوص الاعتراف بالجانب الانسانى فى التاريخ و امن بفكرة التطور العضوى للجماعات البشريه و بأهمية العامل الفردى فى توجيه احداث التاريخ ، و رفض فكرة إن التاريخ قيمته فى العبر و المواعظ زى ماكان غالبية المؤرخين الاوروبيين فى القرن التمنتاشر بيعتقدو ، و قال ان التاريخ لازم يتدرس لذاته مش كوسيله للتعليم و التهذيب.
افكاره
تعديلأهم حاجه بتميز افكار فون رانكه ان لازم قبل أى حاجه اننا نعرف الاحداث و الاحوال فى الماضى زى ماهى بالظبط و ده اللى خلاه مهتم جداً بالوثايق و النصوص القديمه. ففى رأيه عشان نعرف عن عصر معين لازم نشوفه و ندرسه فى الاصول اللى لتكتبت وقته مش اللى اتكتبت عنه لإن الوثايق الرسميه و مكاتبات الدول و الافراد و سجلات الحكومات و الكنايس و المذكرات الشخصيه أصدق من أى حاجه. نتيجه للفكره دى فون رامنكه و تلاميذه انتشرو فى كل حته للتدوير على الوثايق القديمه فى مكتبات المحفوظات و الكنايس و الاديره و الغرف التجاريه و بيوت النبلا وده ادا لإن المؤسسات دى بقت بتهتم بالوثايق و السجلات القديمه و بقت تحافظ عليها و تنظمها فظهر علم الوثائق و قواعده و اتنشئت دور المحفوظات و مجموعات السجلات فى كل اوروبا و بقا طلاب التاريخ مهتمين بدراستها.
كتاب فون رانكه الاولانى " تواريخ الشعوب اللاتينيه و الجرمانيه " Geschichten der Romanischen und Germanischen Volker كان حاجه جديده فى التأليف التاريخى اللى بيعتمد ع الاصول. فى الكتاب ده فون رانكه شرح افكاره لكن ما قدرش يطبق نظرياته فكان ناقد معتبر للاصول لكن ما كانش موضوعى فى احكام كتيره و انكر على هيجل تأملاته و تصوراته امش تاريخيه مع انه هو نفسه استخدم نظريات خاصه و تأملات و تصورات مشابهه فى كتابه. و من الانتقادات اللى اتوجهت ليه انه فى حماسته للنظام البروسى ما شافش الحد الفاصل بين ان بروسيا عايزه توصل للقوه و استخدام القوه دى للعدوان بعد كده. وشاف فى الدوله مفهوم اخلاقى شبه الكنيسه و بكده عمل غلطات عملها مفكرين المان كتار اتحمسو للنظام البروسى و اعتماده ع القوه و النظام بحماسه مهدت لقيام دولة الحديد و النار على ايد بسمارك.
من ناحيه تانيه اهتمام فون رانكه بالوثايق الرسميه و مكاتابات الدول خلوه يهتم جداً بالتاريخ السياسى و العسكرى فما اهتمش قوى بالنواحى الاجتماعيه و الاقتصاديه و صب معظم اهتمامه على قيام النظم السياسيه الاوروبيه و الصراعات اللى كانت بتحصل بينها ، من غير ما يلاحظ اهمية قيام الدوله السلافيه الكبرى و هى روسيا و توسعها البطىء اللى خلا منها فى فتره لاحقه اكبر قوه فى اوروبا. فون رانكه كان مؤمن جداً بقدرات نظام المجتمع الالمانى اللى عاش فيه و بالنظام البروسى اللى حكم المجتمع ده فكان معجب جداً بالطبقه الوسطى اللى كان بينتمى ليهاو كمان بالطبقه الارستقراطيه الالمانيه اللى بقا بينتمى ليها فى فتره لاحقه من حياته. كل ده خلاه ما يهتمش و ما يشوفش المجتمعات التانيه اللى بره اوروبا و لا حاول يفهم حضاراتها. فهم تاريخ بروسيا كويس فى كتبه التسعه اللى كتبها عنه Neun Bucher preussischer Geschichte ( اتنشر 1847 - 1848 )و تاريخ انجلترا فى كتابه Englische Geschichte ( اتنشر 1859 - 1868 ) و تاريخ فرنسا فى كتابه Fransoesische Geschichte ( اتنشر 1852 - 1861 ) ، لكن ما حاولش يفهم تواريخ المناطق الغير اوروبيه و كان قليل العلم بيها و بيظهر جهله بيها لما كان بيشطح و يتطرق ليها، و كمان مافهمش الحركه الصناعيه الاوروبيه و نتايجها و ما كاتبش حاجه ليها قيمه عن امريكا.
المدرسه الدبلوميه
تعديلاللى ادا فون رانكه مكانه كبيره فى تاريخ علم التاريخ هو اهتمامه بالوثايق و المستندات القديمه و المنهج الدقيق اللى حطه لتنظيمها و دراستها. الوثايق اياميها كانت بتتسمى " دبلومات " و عشان كده مدرسته اتعرفت بإسم " المدرسه الدبلوميه " و غلط تسميتها " المدرسه الدبلوماسيه " لإن نطاق عمله ماكانش ليه علاقه بالدبلوماسيه بمفهومها الشايع النهارده. فون رانكه عمل جهد كبير و سافر بلاد اوروبيه كتيره لفحص مجموعات الوثايق و تقارير السفرا و المكاتبات الرسميه و بيرجع الفضل ليه فى انشاء اللجنه التاريخيه فى اكاديمية بافاريا للعلوم Historische Kommission bei der Bayrischen Akademie der Wissenschaften و هى اللجنه اللى نشرت الوثايق العامه و وثايق الدوله و المراسلات و المدونات و على طريقتها اتنشئت فى نواحى اوروبا لجان مماثله و بكده اتاح للمؤرخين فرصة عمل دراسات قايمه على الاصول. و انشأ المجله التاريخيه السياسيه Historische-Politische Zeitschrift فكانت من طلايع الدوريات التاريخيه اللى لعبت و بتلعب دور كبير فى ميدان الابحاث التاريخيه.
نظرية فون رانكه الاساسيه بتقوم على رأيه اللى بيقول إن الباحث لازم يصور الماضى زى ما كان بالظبط . دى طبع حاجه مش هينه و هو نفسه ما نجحش فى عملها فى كتير من مؤلفاته ، فصعب إن حد ممكن يعرف الماضى كان شكله إيه بالظبط عشان يقدر يقول المؤرخ صوره بدقه و لا لاء ، لكن مذهب فون رانكه ده خلا المؤرخين يبعدو عن التصورات المثاليه او التخ بعديه للماضى و خلاهم يحاولو يدورو ع الحقيقه مهما كانت على قد ما يقدرو.
افكار فون رانكه ما اقتصرتش على تقرير اصول البحث التاريخى و مناهجه و تحديد الاسس العلميه كعلم مستقل قايم بذاته لكن كانت كمان توكيد على مغزى الاحداث و استمرارها و ادراك حركة التطور التاريخى و فهمها.
انتقادات
تعديلفون رانكه كان شغوف بتنسيق الماده اللى بيحصل عليها و كان بيدور ع التوازن فى تصويره للحوادث و المجتمعات و ده كان - كمثل - من اسباب نقص فهمه للثوره الفرنسيه لإنه مالقيش فى حوادثها التوازن اللى كان دايم بينشده. مبادىء فون رانكه فى تأريخ الأحداث كان ليها اثر وحش على ظهر فى اعمال مؤرخين كتار من اللى اتبعو مبادئه انهم عملو نفسهم قضاه للماضى و حكماء على اهله و اصدرو احكام مليانه غلطات خلت كتير من كتبهم بلا قيمه ، ده لإن مهمة المؤرخ الاساسيه مش الحكم ع الماضى لكن فهمه ، و لما بيحصل الفهم الصح للماضى بتنتهى مهمة المؤرخ كمؤرخ فإذا اتعدى مهمته و نصب نفسه قاضى يبقى دخل نفسه فى دايرة عمل الغلطات.
من الاتنتقادات اللى اتوجت لفون رانكه من بعض معاصريه و المؤرخين اللى ظهرو فى الجيل اللى بعده إنه جرد التاريخ من شاعريته و عمل منه سجل جاف للحقايق المدعمه بهوامش ضخمه بتشير للاصول و المراجع. و انتقد كمان انه كان متعصب للدوله البروسيه و اسلوبهافى الحكم فكان معادى لكل حركات التحرر اللى قامت فى اوروبا فى عصره و ده كان سبب شن حمله عليه على ايد مؤرخين زى دورنج Duuerin و لورنتس Lorentz و لامبرخت Lamprecht و يوهان جوستاف درويسن Johann Gustav Droysen اللى وصف موضوعية فون رانكه بالسلبيه. لكن اكبر منتقديه كان من السويسرى ياكوب بوركارت Jacob Burckhardt اللى اتلمذ على ايد فون رانكه فى برلين لكن اتقلب عليه و اتهمه بالجمود و انه قضى على الجانب الشاعرى من التاريخ و لدرجة انه رفض يتولى كرسى التاريخ فى جامعة براين بعد فون رانكه.
اثر فون رانكه على علم التاريخ
تعديلرغم كده ، فون رانكه بشخصيته و نشاطه العلمى فتح عصر جديد فى تاريخ التأريخ و قدر ينقل التاريخ من ميادين الادب و الفلسفه و التأملات لميدان خاص بيه و بكده اتقرر بصوره نهائيه مكانته كعلم له شخصيته و مناهجه و فايدته ، و ابتدت الجامعات تخصص له الكراسى فى الاول بطريقه عامه و بعدين بطريقه مخصصه فبقى فيه فى الجامعه الواحده اكتر من كرسى و اتنشئت دور المحفوظات و اترتبت فيها الوثايق و المستندات و بقى بيشرف عليها متعلمين متخصصين و ظهرت وظيفه قيم المحفوظات و اتفتحت معاهد بتدرس لعلم الوثائق.
اللورد اكتون استاذ التاريخ الانجليزى الكبير وصف فون رانكه بإنه " كولومبوس العلم التاريخى ".
مصادر
تعديل- حسين مؤنس ، التاريخ والمؤرخين، فلسفة التاريخ ، عالم الفكر ، المجلد 5 ، الكويت 1974
- الموسوعة الثقافية ، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة - نيو يورك 1972
- Emergy Neff, The poetry of History, London 1952
- Benet, W.R. : The Reader Encyclopedia, j. W. Arrowsmith, Bristol 1977
- The New Encyclopædia Britannica, Micropædia,H.H. Berton Publisher,1973-1974
- The New Encyclopædia Britannica, Macropædia,H.H. Berton Publisher,1973-1974