مستخدم:خرياسوس المدون/أجيال الحروب

أصدقاء كتير بعتت تسألني الفترة اللي فاتت عن موقعة "ثرموبيلاي Battle of Thermopylae" اللي وقعت سنة 480 قبل الميلاد.. و ناس كانت فاكرة فيلم "ثلاثمائة 300" مجرد أسطورة أو عمل سينمائي مش مبني علي قصة حقيقية.. و طلبوا عن الموضوع معلومات وثائقية أكتر..

لقيت دي فرصة نتكلم عن أجيال الحروب بالمرة بتفصيل أكبر بما إن ناس كتير بتتكلم عن حروب الجيل الرابع.. و "ياتري في جيل أول و ثاني و ثالث؟" و شكلهم إيه...

"معركة ثرموبيلاي" من حروب الجيل الأول بامتياز.. طريقة نطق "ثرموبيلاي Thermopylae" في أول مرجع للي يحب يعرفها...

زي ما اتعودنا علي الصفحة دي مبنتكلمش عن شيء علمي إلا و يكون موزون قدر الإمكان بالكلمة.. عشان كده قلنا من حروب الجيل الأول "بامتياز".. مش من حروب الجيل الأول و خلاص...

حرب الجيل الأول هي الحرب اللي بيقف فيها "الرجال" بمعنى الكلمة في أي بقعة علي سطح الأرض عبر التاريخ، لصد عدوان عن أرضهم أو دفاعاً عن أعراضهم و ممتلكاتهم.. فكرة المواجهة "رجل لرجل".. و احترام قواعد الهدنة و قانون البلد الأم...

"الإسبرطيين Spartans" كانوا أساتذة في حروب الجيل الأول.. المواجهة المباشرة.. كانوا أساتذة لدرجة إن استعمال القوس و السهم، اللي بيرمي العدو من مسافة - في عرفهم شيء مخجل و نوع من الجبن و عدم الرجولة...

في حروب الجيل الأول مفاهيم زي "رجل" و "شرف" و "كرامة" و "حرية" مش بتتمسخ معانيها.. بتحمل معانيها الأصلية الراقية كفضائل عظمي.. في إسبرطة كان في 3 بس من حقهم يظفروا بقبر محفور عليه اسمهم بمنتهي الفخر: 1 - الملك؛ 2 - جندي مات في معركة؛ 3 - و أم ماتت أثناء الوضع...

دول بس اللي من حقهم التكريم.. طيب ليه الأم الي ماتت في أثناء الولادة مكرمة لدرجة زي دي؟ لأنها ماتت و هي بتقدم لإسبرطة ابن جديد.. بتمنح للدولة مقاتل...

النساء في إسبرطة كانوا مكرمين تكريم عظيم.. الست كانت متساوية مع الرجل في الحقوق و الواجبات و ممكن تحمل السلاح معاه و تقاتل دفاعا عن الأرض..

الطفل أول ما بيتولد بيتفحص.. لو قوي سليم.. مبروك لأهله.. بيعيش لحد خمس سنين و بعدين يلتحق بمدرسة عسكرية.. لو ضعيف أو مشوه او فيه نقص.. بيترمي في سفح "جبل تايجتوس Taygetus" تفترسه الحيوانات.. كنا اتكلمنا قبل كده بإيجاز عن الموضوع دا في بوست سابق موجود في تاني مرجع...

القصة إن الفرس قرروا يغزوا اليونان - و كانت دويلات مفككة - من ضمنها اسبرطة..

الأصدقاء بتسأل "إزاي 300 يتصدوا لمليون؟".. الحقيقة دا مذكور في مواقع كتير.. صحيح في ناس قالت "600 ألف".. و ناس قالت "ربع مليونط.. لكن إللي وصلنا من اقرب مرجع للمعركة.. المؤرخ "هيرودوت Herodotus" بالحرف..إنه "إسبرطة Sparta".. خرجت بـ300 جندي تقابل مليون جندي فارسي...

يجوز الرقم مبالغ فيه بس مش حيكون مبالغ فيه جدا.. لأنهم لو 300 راحوا يتصدوا لألف و للا ألفين.. فهي مش معجزة مذهلة لدرجة إنها تتحول لملحمة و توصلنا من قبل الميلاد...

الممر الجبلي اللي سده الإسبرطيين "ثرموبيلاي Thermopylae" بيتسمي كمان "البوابات الساخنة The hot gates".. لأن في عيون طبيعية حارة في المنطقة دي...

في حرب الجيل الأول بيكون في "عامل نفسي".. أو ما يسمى بـ"الحرب النفسية Psychological warfare - PSYWAR".. بس تأثيرة بيظهر أكتر في الحروب الحديثة...

خرج ملك إسبرطة "ليونايدس King Leonidas" معاه الحرس الخاص بتاعه.. 300 جندي بس.. لأن مجلس شورى إسبرطة رفض يخرج يحارب الفرس و هم في الطريق.. و سد الـ300 ممر البوابات الساخنة..

تشكيل الإسبرطيين كان اسمه "التشكيل السلامي The phalanx" أو "الفلنكس".. تشكيل عسكري مربّع.. الكلمة مالهاش أصل عربي و متعربة إلي "سلامي" بمعني "مصطف كسلاميات الأصابع"...

زي ما هو واضح في أول و تاني صورة.. الفلنكس، كان غابة من الحراب و الدروع...

الدروع في "الفلنكس" كانت حروفها بتتسند علي بعض، فتبقي عاملة زي حراشف الثعبان.. اختراقها بيبقي تقريبا شبه مستحيل...

وقت ما يتقذفوا بالسهام كان الإسبرطيين بيتخذوا تشكيل اسمه "تشكيل السلحفاة Turtle formation".. دا واضح في تالت و رابع صورة...

قوة الفلنكس كانت بتكمن في نقطة واحدة.. الإتحاد..

كان التشكيل بيحارب كأنه وحدة واحدة.. و تتبدل الصفوف.. الصف الأمامي بيصد و يدفع بالدروع.. و الصف الخلفي بيضرب بالرمح.. و بعدين يتقدم و يحمي بالدروع و الصف اللي وراه يضرب بالرمح من فوق.. و هكذا...

حروب الجيل الأول بتعتمد علي تسليح الجندي و كفاءته القتالية و حسن تدريبه.. دا طبعا كان ملعب الإسبرطيين.. بخلاف إنهم مدربين منذ نعومة أظفارهم.. فهم كانوا تشكيلات "مشاة ثقيلة heavy infantry".. دروعهم مزيج من النحاس و البرونز و الحديد، و من الداخل مصنوعة من خشب البلوط ووزنها 18 كيلوجرام.. كان الجندي بيلبس خوذة تقيلة بتبين عينيه و أنفه بس.. ساعديه و ساقيه متغطيين بالبرونز و شايل رمح و سيف...

رمح الإسبرطي كان ثقيل و مصنوع من خشب لا يطفو في الماء.. وزنه 12 كيلوجرام تقريبا و له حد معدني أمامي و حد خلفي.. و السيف كان وزنه 8 كيلوجرامات تقريبا.. قصير لكن قاتل...

طبعا عشان الجندي يشيل مجموع الوزن دا كله و في نفس الوقت يتحرك و يقاتل و ينحني و يتفادي و ينطلق.. كان هو نفسه لازم يبقي قوي للغاية.. بالدروع و السلاح اللي شايله، كان جندي مشاة إسبرطة عبارة عن دبابة بشرية حية...

علي العكس كان الفرس مشاة خفيفة.. مسلحة بسيف و رمح و درع خشب.. تشكيل الإسبرطيين كان حوالي 6 أو 7 صفوف.. سدين ممر البوابات الساخنة الضيق.. و بيستقبلوا أفواج الفرس صف صف..

طبعا حروب الجيل الأول مايعرفهاش المخنثين و لا النشطاء الثوريين و لا يعرفها بالتأكيد فرقة "إخلع يا دفعة" و لا ثوار و مجاهدي "الكيبورد" و لا أي حد من المشهورين "فلفيس" اللي بيستخبوا ورا الشاشات و لما بيشوفوا برص بيبلوا كراسيهم و هم قاعدين..

مابيعرفهاش و يقدرها و يعرف يتعامل فيها إلا الرجال بمعنى الكلمة.. مش الذكور...

فضلت المواجهة كده.. جيش الفرس كان فيه "رجال" كتير.. بس الأسبرطيين مكانوش "رجال" و بس.. كانوا "رجال مقاتلون".. و في فرق شاسع بين الإتنين لو تعلمون...

شجاعة الـ300 و انتصاراتهم المذهلة.. خلت 7100 من أهالي اليونان.. من أركاديا و أثينا و غيرهم.. حدادين و صناع و حرفيين.. يشيلوا سلاح و ينضموا للإسبرطيين..

الإسبرطيين حطوا الجماعة دول في ضهرهم.. خط دفاع أخير لو اتهزموا.. و ماشتركوش في المعركة بشكل حقيقي مطلقا.. كل الحمل كان علي الـ300 إسبرطي..

ملك الفرس لقى تدريب الإسبرطيين عالي.. فدفع بحرسه الخاص "الخالدون The Immortals".. أقوي تشكيل عسكري في آسيا كلها..

برضه مواجهة مباشرة.. بس للأسف.. زي ماقلنا الإسبرطيين كانوا أساتذة في حرب الجيل الأول.. فسقط من "الخالدون The Immortals" حوالي 10 آلاف مقاتل.. و سقط 30 من الإسبرطيين.. و دا خلى قوات الفرس تنسحب مؤقتا...

احتار الفرس مع كتيبة الـ300.. مش عارفين يهزموهم و لا يخترقوهم و لا يعدوا من الممر.. فراح للفرس واحد يوناني اسمه "إيفيالتيس Ephialtes of Trachis".. و كان راغب في مكسب سريع.. مجهود بدون تعب زي الإخوة بتوع السوق السودا.. فراح باع أهل بلده.. و دل الفرس علي طريق خلفي يقدروا يطوقوا الإسبرطيين عبره...

"إيفيالتيس Ephialtes" اسم علم.. اسم بني آدم.. بس بسبب الواقعة دي اتحول في اللغة اليونانية و بقى معناه "كابوس".. و أحيانا بيطلق علي أي خائن.. "إيفيالتيس Ephialtes".. زي ما انت مثلا تلاقي واحد مش مفهوم له هو عايز ايه و تقوله "أنت مالك شبه أبو الفتوح كده النهاردة".. أو تشتم واحد و تقوله "يللا يا برادعي"...

المهم حصل التطويق.. الفرس بدأوا طوقوا الـ300 إسبرطي من الخلف و الأمام.. قبل ما يتم التطويق بالكامل..

هنا بياخد ملك إسبرطة قرار خطير للغاية.. التضحية العظمى.. اللي برضه لا يقدرها و لا يفهمها إلا رجل..

ملك إسبرطة جمع اليونانيين اللي في المؤخرة.. الـ7100 جندي.. و طلب منهم يرجعوا لليونان.. و يبلغوا أهلها إن "ليونايدس" و رجاله الـ 300 حيموتوا من أجل إن محدش يقول إن قوات إسبرطة انسحبت.. و لا إستسلمت و لا هربت من قتال.. حيموتوا عشان مايحبطوش روح جنود اليونان المعنوية.. و حيموتوا طبقا لقانون إسبرطة، اللي بينص علي إن المقاتل الإسبرطي لا يأسر و لا ينسحب.. ينتصر أو يموت..

مرت وثيقة جلدية بين الـ300 جندي.. كل واحد فيهم كتب عليها اسمه بمنتهي الفخر.. عشان توصل اليونان و يتعمل لهم "شواهد قبور" رمزية عليها اسمهم.. باعتبارهم ماتوا كما ينبغي أن يموت الرجال...

بينسحب اليونانيين.. و بيفضل الإسبرطيين.. و بيراقبوا قوات حرس ملك الفرس و هي بتطوقهم.. و بيتقدم منهم رسول فارسي علي جواد من مسافة آمنة.. بيطلب منهم الإستسلام..

مفيش خيار.. الإستسلام أو الموت.. بتفاجأ قوات الفرس بالرد عن طريق رمح طاير من بعيد.. من وسط التشكيل.. بيخترق قلب رسول الفرس و يسقطه من فوق حصانه.. دا الرد.. الإسبرطيين اختاروا الموت بشرف.. في الفيلم السينمائي الشهير.. اللقطة دي ظهرت في البداية.. بينما في الواقع هي كانت السطر الأخير في موقعة ثرموبيلاي...

بيهجم الفرس و بيبدأ القتال.. بتحصل مجزرة حقيقية.. الإسبرطيين حتي و هم محاصرين مش لقمة سائغة.. و كل واحد منهم مابيبيعش حياته رخيصة...

أسيبكم مع الفيديو التوضيحي اللي في البوست.. يشرح الموضوع دا بشكل أيسر و أفضل...

بتنتهي المعركة بموت الإسبرطيين حتى آخر رجل.. بس مبتروحش التضحية دي هباء علي الإطلاق.. لأن ""ثيميستوكليس Themistocles" حاكم أثينا لما بيوصله الخبر بيقول عبارته الخالدة "ليونايدس و رجاله لم ينهزموا.. بل إنتصروا إنتصار عظيم".. و بيبدأ يحشد قواته و يوحد اليونان ضد الفرس.. و بينجح...

دي حروب الجيل الأول اللي قوامها المواجهة المباشرة.. رجل لرجل و سيف لسيف.. ملحمة من القتال و الشجاعة و الصمود و الحديد و الدم و النصر و الهزيمة و توقير الجسارة و احترام القانون...

دي تختلف شوية عن حروب الجيل الثاني، اللي نتكلم عنها في بوست لاحق بإذن الله، بمثال برضه من معركة حقيقية من التاريخ..

و للحديث بقية...


مراجع


1 - https://www.youtube.com/watch?v=1dwjMN9HhTM

3 - Sacks, Kenneth S. (1976). "Herodotus and the Dating of the Battle of Thermopylae". The Classical Quarterly. 26 (2): 232–248

4 - Finley, Moses (1972). "Introduction". Thucydides – History of the Peloponnesian War (translated by Rex Warner). Penguin.

5 - Cartledge, Paul (2006). Thermopylae: The Battle That Changed the World. Woodstock, New York: The Overlook Press.

4 - للمشاهدة أونلاين - فيلم 300 "غير مترجم": http://afdah.tv/watch-movies/25752-300-2006

5 - Lind, William S. (January 15, 2004), "Understanding Fourth Generation War".

6 - Lind, William S.; Nightengale, Keith; Schmitt, John F.; Sutton, Joseph W.; Wilson, Gary I. (October 1989), "The Changing Face of War: Into the Fourth Generation", Marine Corps Gazette, pp. 22–26.

7 - Frost, Frank J. (1980). Plutarch's Themistocles, An Historical Commentary. Princeton University Press.

شفنا سوا حروب الجيل الأول.. ووقفنا نتفرج علي التشكل الإسبرطي "الفلنكس The phalanx" و حضرنا المعركة اللي حارب فيها الـ300 زي الشياطين، و التضحية العظمي اللي عملوها.. اللي يحب يرجع للكلام دا يلاقيه في أول لينك من المراجع...

حروب الجيل الثاني اختلفت شوية.. لأن التكنولوجي دخلت الموضوع.. بقى فيها أسلحة بتقتل عن بعد، و أكثر دقة و خطورة من السهام.. دخلت "الأسلحة النارية Breech-loading weapon" للساحة.. و اتغير معاها الموقف بالتدريج...

الحرب دي امتازت بأنها - بالرغم من إنها حافظت علي صفوف الجنود - .. إلا إنهم بقى لهم حرية الحركة و إطلاق النار.. دخلها كمان العنصر الإستخباراتي.. و لو إن دور المخابرات وقتها كان لا يتعدي الإستطلاع...

زي حروب الجيل الأول، حروب الجيل الثاني كان فيها العامل النفسي مهم جدا.. "الحرب النفسية Psychological warfare".. أو زي ما قال "نابوليون بونابارت Napoleon Bonaparte":

"الحروب تنحسم في صدور الرجال قبل أن تنحسم في ميادين القتال"...

من أمثلة حروب الجيل الثاني "الحروب النابوليونية Napoleonic Wars" و"الحرب العالمية الأولى WWI" و "حرب البوير Boer War".. و لأن الأمثلة علي الحروب دي كتير.. نتأرجح النهاردة بين الحرب العالمية الأولى و حرب البوير..

لأن التكنولوجيا كانت محدودة.. فكانت الحروب دي بتعتمد علي القوة النيرانية الضخمة.. يعني قذيفة مدفع مثلا.. ممكن متبقاش دقيقة أوي.. بس بتحدث ضرر عظيم.. أو صفوف جنود تطلق النار في إتجاه صفوف العدو بلا تصويب دقيق...

الحرب النفسية للمرة الأولى فرضت نفسها بقوة و عنف كعلم حقيقي في الحرب العالمية الأولى.. و كان الألمان بيربطوا منشورات في مناطيد صغيرة بتسقط بعد فترة خلف خطوط العدو.. فيها رسائل من طراز "إخلع يا دفعة".. "زوجتك في انتظارك.. لماذا تموت".. إلخ..

و بعدين بدأ الألمان يرموا المنشورات دي من الطائرات و تبعهم البريطانيين.. في حرب نفسية غير مسبوقة تستند لأسس علمية لأول مرة في التاريخ...

بالمناسبة.. البريطانيين كانوا غير راغبين في موضوع الحرب النفسية ده و مش مصدقينه.. لحد ما أقنعهم واحد اسمه لورد "ألفريد هارمسوورث Alfred Charles William Harmsworth".. و فكرهم بالهزيمة اللي كادت بريطانيا تنالها في "حرب البوير" علي إيد أحد أبطالها "دانيال ثيرون Daniel Theron" اللي حانتكلم عنه كمان شوية...

و بالمناسبة برضه الأخ "ألفريد" هو مؤسس جريدة "الديلي ميل The Daily Mail" البريطانية.. اللي معاليك بتنشر منها أخبار عن بلدك النهاردة.....!

الديلي ميل .. نسيتوها؟ اللي قالت إن مبارك له في البنوك سبعين مليار دولار.. و اللي بتتابع أخبار باسم يوسف و بتروج له كأنه شطر الذرة.. و اللي لمعت البرادعي و غيره.. و اللي قالت إن في طيار بريطاني بطيارة مدنية في سينا ناور صاروخ أطلقته داعش....!

كان "ألفريد" شاطر في مجال البروباجاندا، فبدأ حملة دعائية رهيبة و كتب بنفسه منشورات اترمت علي الجنود الألمان كان لها مفعول السحر.. لدرجة إن الجنرال الألماني "إريك لوديندورف Erich Ludendorff" بعد الحرب قال بالحرف:

"لقد كان جنودنا يفكرون بالضبط كما يريد العدو و يبدون في الميدان شاردين خائفين، كالفأر الذي يحاصره ثعبان في جحر"...

خد بالك لحد اللحظة دي إحنا بنتكلم عن حرب "جيل ثاني".. صحيح في حرب نفسية.. بس جايالك من العدو.. اللي أنت عارف إنه عدو.. اللي بتقابله برضه في الميدان وجها لوجه...

حرب البوير كانت بين بريطانيا وجمهوريتي البوير؛ جمهورية جنوب أفريقيا (الترانسفال) وجمهورية البرتقال الحرة...

من أبطال الحرب دي واحد اسمه "دانيال ثيرون Daniel Theron".. اللي في الصورة دا..

"دانيال ثيرون" كان له وحدة خاصة بيه.. كان اسمها "وحدة إستطلاع ثيرون Theron se Verkenningskorps" أو "Theron Reconnaissance Corps"...

"دانيال" إستعمل الحرب النفسية.. بس محاولش يأثر بيها في معنويات البريطانيين.. أثر بيها بس في معنويات وحدته.. كان دايما يحفزهم و يشجعهم علي القتال بأساليب مبتكرة.. و يحتفي بالجندي القوي المتميز.. طبق أساليب "حرب العصابات Guerrilla warfare".. حرب العصابات حرب بتطول بالنسبة لأي جيش نظامي.. خصوصا إنك مش عارف اللي بتحاربه دا مدني و للا مقاتل.. معاك و للا ضدك.. بالإضافة إلي إن جيش البوير كان فيه كتير مش أفارقة داكني البشرة.. لا.. كان في ناس أوروبيين و بالذات هولنديين كانوا اتولدوا و عاشوا في الأراضي دي و تصدوا للبريطانيين...

"دانيال" طبق خطط جديدة في الهجوم الخاطف.. و بقى ينسحب بأقل خسائر و يتوقع موطيء قدم الإنجليز و يهاجمهم قبل ما يعسكروا.. و هم لسه قاطعين مسافة و منهكين و بينصبوا معسكراتهم.. لدرجة إن القائد العسكري البريطاني "لورد روبرتس Lord Roberts" قال عنه: "هو أقوى شوكة في ظهر البريطانيين تمنعهم من الإنتصار"...

لورد روبرتس كان حاطط مكافأة 1000 جنيه سترليني علي راس "دانيا" حيا أو ميتا.. و أطلق قوات من 4000 جندي للظفر به.. و ماعرفش يوصل له مطلقا...

كان "دانيال" بيضرب بيه المثل في الشجاعة عند البوير، مكانش مجرد مقاتل.. إتحول إلي أسطورة شعبية.. زي أدهم الشرقاوي و يوسف العظمة و عمر المختار.. و غيرهم..

أحيان كتير كان بيرفض إنه يرسل أحد أفراد قوته للاستطلاع.. و بيستطلع أو يهجم منفرد.. دا طبعا مايفهموش برضه "مناضلي الكيبورد".. و دا اللي أدى إلي وفاته...

ففي 5 سبتمبر سنة 1900، تقدمت القوات الإنجليزية.. و كانت مرهقة من سير طويل.. و بعدما نصبت معسكرها أرسلت "سرية عسكرية Company" من سبع أفراد تستطلع و تأمن حوالين المعسكر..

و في الظلام و بهدوء و خفة.. علّق "دانيال" بندقيته علي كتفه و استني للحظة معينة و بعدين انقض علي السرية بخنجره.. قتل منهم 6 في سرعة لكن الجندي الأخير رفع بندقيته علي "دانيال" من مسافة كبيرة.. مما اضطر دانيال انه يسحب بندقيته بدوره و يطلق عليه النار..

قتل كل أفراد السرية بس صوت الرصاصة وصل للمعسكر الإنجليزي.. و فتحت القوات الإنجليزية النار علي البقعة اللي سمعوا منها الرصاصة عشوائيا.. و قتلت "دانيال ثيرون"..

خبر وفاته كان بداية النهاية لقوات البوير.. اللي حسوا بالهزيمة فعليا "في قلوبهم".. قبل ما ينهزموا علي الأرض.. و قال عنه القائد "دي وي General de Wet ":

"إذا اقتصر الأمر علي الشجاعة أو الشعبية فالرجال كثيرين و قد أجد ذلك بينهم.. لكن أين يمكن أن أجد رجلاً آخر يجمع كل هذه المهارات و الفضائل Men as lovable or as valiant there might be, but where shall I find a man who combined so many virtues and good qualities in one person" ؟

الهزيمة النفسية دي كانت بداية النصر البريطاني اللي تم بالفعل بعد عامين فحسب من وفاة "دانيال" في 31 مايو سنة 1902..

دا نموذج لحرب من حروب الجيل الثاني.. سلاح خفيف.. تكنولوجيا محدودة.. أكمنة.. حروب عصابات.. حروب نفسية...

دا يختلف عن حروب الجيل الثالث اللي نتكلم عنها لاحقاً بإذن الله.. و يكون للحديث بقية...


مراجع


2 - Collins, Ross F. ed. World War I: Primary Documents on Events from 1914 to 1919 (Greenwood Press, 2008).

3 - Farwell, Byron (1989), The Great War in Africa, 1914–1918, W.W. Norton.

4 - Thomas Pakenham, page 571 The Boer War.

5 - Military History Journal, Vol 11 No 3/4 (October, 1999).

6 - Fransjohan Pretorius, 'The Experience of the Bitter-Ender Boer,' in The Boer War',' ed. by John Gooch (London: Cass, 2000), p.179.

7 - Maurice, John Frederick; Maurice Harold Grant (1907). History of the War in South Africa, 1899-1902. London: Hurst and Blackett. .

8 - Caldwell, Theodore C. (1965). The Anglo-Boer War: Why was it fought? Who was responsible?.

في حروب الجيل الأول؛ سافرنا عبر الزمن لسنة 480 قبل الميلاد، ووقفنا نتفرج علي غابة الحراب الإسبرطية الرهيبة، أو تشكيل "الفلنكس The Phalanx formation" و الدروع اللي حوافها مسنودة علي بعض زي قشور السمك، أو حراشف الثعبان، بالشكل اللي يخلي اختراقها شبه مستحيل..

و بعدين قفزنا عبر الزمن لقفزة هائلة؛ و اتفرجنا علي فرقة استطلاع "دانيال ثيرون Daniel Theron" و هي بتتلصص علي كامبات الإنجليز عبر الأدغال.. و عرفنا إيه قوام حرب الجيل الثاني...

الكلام عن الجيلين دول من الحروب في أول و ثاني مرجع للي يحب يرجع لهم...

النهاردة نقفز قفزة واسعة عبر الزمان و المكان، عشان نتعرف علي حرب الجيل الثالث.. جيل الحروب اللي التكنولوجيا فيه قفزت قفزة رهيبة مخيفة.. فبقي في آليات قوية لها دروع من الفولاذ، بتحميها و هي بتناور و تطلق النار.. أصبح في صواريخ "محمولة" مضادة للآليات دي..

القوة التدميرية زادت بعنف.. و مداها و دقتها زادوا.. بقي في حرية في الحركة و المناورة.. واتطور سلاح الطيران جدا و بقي بيقصف في العمق، و تطويره استدعى إنه تتطور الدفاعات الجوية، فظهر مع الوقت الصواريخ الحرارية؛ اللي بتطارد حرارة محرك الطائرة.. و تنطلق وراها مهما ناورت...

حرب الجيل الثالث اصبح المواجهة الفردية فيها كجندي لجندي او رجل لرجل قليلة جدا.. و مع ذلك الخسائر البشرية زادت بسبب زيادة القوة التدميرية...

في كل أجيال الحروب بيكون النصر لمن يمتلك المعلومات، و تفضل روحه المعنوية عالية.. بس في الجيل الثالث؛ أصبح في عنصر آخر.. ممكن يفرق في النصر..

ففي 6 أغسطس سنة 1945، ألقت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية؛ علي مدينة "هيروشيما Hiroshima" اليابانية.. بدون ما تنخرط في الحرب بشكل مؤثر و لا تدفع بقوات و لا جنود و لا غواصات و لا غيره.. بقنبلة واحدة.. انتهت الحرب فعليا.. و اعلنت ميلاد العنصر الجديد اللي بيفرق في الجيل دا من الجروب.. التكنولوجيا..

رمي القنبلة دي و القنبلة التي تليها في 9 أغسطس من نفس السنة علي نجازاكي، كان حركة من أضخم حركات الحرب النفسية في العالم؛ لأنه رسخ لفكرة "أنا السيد الجديد.. اقدر أبيد مدن كاملة بقنبلة واحدة".. و "علي فكرة عندي منها كتير.. مش واحدة بس"...

يعني في حرب الجيل الثالث، بقي ممكن دولة غشيمة عديمة الخبرة، تنتصر لمجرد إنها تمتلك تقنية عالية للغاية موصلهاش عدوها...

الآلة الإعلامية دورها إزداد بقوة و ظهر بوضوح في الحروب دي.. من أمثلة الحروب دي الحرب العالمية الثانية و العدوان الثلاثي و حرب الاستنزاف و حرب أكتوبر و حرب فيتنام...

يبدو إنه فعلا الحاجة أم الإختراع.. لأن التقنية العالية جدا دي اتطور أسلوب للرد عليها من دول لا تملكها.. و أصبح العمل الاستخباراتي الناجح، و كفاءة الافراد و حسن تدريبهم و التكتيك الذكي، ممكن يتفوق عليها...

و الغريب إللي الإعلام مش بيقولهولنا.. إن أول دولة في العالم.. ابتدعت الموضوع دا عشان تتصدي لتقنية عالية ماتملكهاش.. بنجاح.. كانت مصر...

ففي الرابع من نوفمبر 1956، رصدت البحرية المصرية؛ درّة البحرية الفرنسية و فخر الأسطول الفرنسي؛ البارجة "جان بار Jean Bart" و هي بتقترب لدك مدن القنال.. جسم "جان بار" كان مزود بصفائح قوية تقاوم الطوربيدات و القذائف؛ بالإضافة إلي 8 مدافع ثقيلة عيار 380 ملم في برجين .. و مدافع رباعية في منصتين في المقدمة.. و 9 مدافع ثقيلة عيار 152 ملم في ثلاثة أبراج ثلاثية في منصة المؤخرة.. و 24 مدفع عيار 100 ملم مضاد للطائرات أيضا في إثنى عشر منصة أبراج مدافع مزدوجة (6 على على كل جانب).. و أنابيب طوربيد عيار 21 بوصة والعديد من الغام وقنابل الأعماق المضادة للغواصات.. و كان علي سطح "جان بار" حمولة 40 ألف طن من الذخيرة.. و الأسواء.. كان الطيران الملكي البريطاني بيحلق فوقها و يحميها جواً...

باختصار كانت "جان بار" تقنية لا تملك مصر تقنية مضادة لصدها.. و الأكثر سوءاً.. إن القائمقام "جلال الدين الدسوقي" قائد الأسطول المصري في بورسعيد، مكانش عنده غير 3 زوارق فحسب، مع تعليمات من الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر"؛ بمنع تقدم "جان بار" مهما كان الثمن...

و بتكتيك ذكي، و هجوم خاطف مباغت.. بينجح أحد ضباط "جلال الدين الدسوقي" و هو الملازم السوري "جول جمال" في نسف "جان بار" بجسم زورقه.. و بيستشهد في العملية...

و لأول مرة بيظهر مبدأ جديد في حروب الجيل الثالث...

ممكن إنك برجال مدربين جيدا، و خطة مدروسة و تكتيك ذكي، تنتصر علي خصم يفوقك تكنولوجيا...

و بتلتقط المخابرات المصرية الدرس، و بتبدأ واحدة من أعقد حروب الجيل الثالث، اللي مخدتش حقها تاريخياً، و هي حرب الإستنزاف..

و لأول مرة ايضا، بتدمج الحرب النفسية و العمليات الفعلية في نطاق واحد.. فبيتم التأثير علي نفس العدو و اضعاف روحه المعنوية بعمليات خاطفة علي الأرض.. و بيتألق الرجال أمام التكنولوجيا العالية و بيهزموها بالتخطيط و حسن التدريب.. فبرز دور الإنزال المظلي عن طريق هليكوبتر منخفضة دون مستوى الرادار خلف خطوط العدو.. و برز في شدة دور الضفادع البشرية و حسن تدريبهم و قوة تحملهم مع خطة ذكية، في عمليات "إيلات" المتتالية...

أصبح الدور الإستخباراتي غير مسبوق.. و شفنا جاسوس زي "كامل أمين ثابت".. اللي نعرفه باسم "إيلى أمين شاؤول كوهين Eli Cohen" و هو بيقترب حثيثا من إنه يبقي رئيس سوريا.. قبلما تكشفه المخابرات المصرية و تحاصره المخابرات السورية وقتها بخطة ذكية للغاية.. لدرجة إنه ماتوقعش و لا توقعت إسرائيل إن أمره ينكشف، لحد ما فوجيء في ليلة من ليالي يناير الباردة، بعدد من الرجال يقتحمون منزله، ويصوبون إليه مسدساتهم، ويأمرونه بعدم الحركة، و بالرغم من كده، ثار عليهم، باعتباره شخصية سورية عامة.. و حاول يجري اتصالاته برجال الدولة السورية عبر الهاتف، لحد ما أيقن إنه سقط و اتكشف.. لما دخل إلي مكتبه المقدم (أحمد سويدانى)، رئيس قسم مكافحة التجسس بالمخابرات السورية، وهو يخاطبه باسمه الحقيقى ..

في ملحوظة مهمة مع تزايد دور الإستخبارات في الجيل الثالث.. هو إنه الجاسوس الخائن دا حاجة "عار" و أسوأ صفة ممكن تلصقها بحد إنه "خائن" بيحاول يدمر وطنه.. سواء بالبروباجندا الإعلامية أو الحرب النفسية أو التجسس.. الفارق دا حيذوب لاحقا.. و يتغير بشكل مذهل.. حانوصل له بعدين...

و لأن الحديث عن حروب الجيل الثالث يطول شوية، بما فيها من تكنولوجيا و دور مخابراتي و حرب نفسية، فنواصل الكلام عن حروب الجيل الثالث مرة تانية، و للحديث بقية...


مراجع


3 - Thomas, Gordon: Gideon's Spies: The Secret History of the Mossad.

4 - "Bart, or Baert, Jean". The American cyclopedia. p. 343.

5 - Guerin, Leon (1851). Histoire Maritime de France (in French). Paris: Dufour & Mulat. p. 479.

6 - Lind, William S. (January 15, 2004), "Understanding Fourth Generation War", antiwar.com, retrieved February 7, 2010.

7 - إغراق إيلات، تأليف عبدة مباشر، دار التحرير للطبع والنشر..

8 - مذكرات (ملحمة بطولة علي أرض سيناء) ، لواء بحرى محمود فهمي، 1990.

مرينا بتفاصيل مبسطة علي حروب الجيل الأول، و شفنا التشكيلات العسكرية الإسبرطية العصيّة على الإختراق، و مرينا بحروب الجيل الثاني مع "دانيال ثيرون Daniel Theron".. و كملنا مع حروب الجيل الثالث و التقينا بـ"جلال الدين الدسوقي" و "جول جمال" و "إيلي كوهين".. لينكات المواضيع دي في أول و تاني و ثالث و رابع مرجع للي يحب يرجع لهم...

شفنا في حروب الجيل الثالث إن التكنولوجيا فيها فيها بقت عنصر أساسي.. و شفنا إنك ممكن تتفوق علي تكنولوجية معينة بكفاءة الرجال و حسن التدريب وخطة ذكية.. دون ما يمنعك دا انك تتفوق تكنولوجيا بدورك و تسعى للحصول على الأفضل باستمرار..

عبر أجيال الحروب الثلاثة، الحرب النفسية عنصر رئيسي و مهم و حيوي.. و دا كان واضح للعيان جداً في أحد نماذج حروب الجيل الثالث، و هي حرب أكتوبر، اللي هم بيسموها "حرب يوم الغفران Yom Kippur War"...

67 كانت معركة.. جزء من حرب تاريخها أقدم حتى من العدوان الثلاثي.. و حصل في 67 هزيمة في معركة من حرب طويلة متصلة...

في 67 اشتغلت الآلتين الإعلاميتين، المصرية و الإسرائيلية؛ بقوة و عنف.. فكانت الجرائد المصرية بترفع معنويات الناس و الجنود بمانشيتات من طراز "اسقطنا كذا طائرة للعدو" و "قواتنا تتوغل داخل إسرائيل".. و اسرائيل كانت بتكتب في جرائدها إن القوات الإسرائيلية وصلت القاهرة.. و الحقيقة إن دا كان ممكن يحصل بالفعل و يدخلوا القاهرة.. لولا الحملة اللي قادتها الجرائد دي وقتها...

الحملة دي أي جاهل ضيق الأفق النهاردة تسمعه بيقولك "كذب إعلامي".. و "أكاذيب الإعلام".. و الكلام الفارغ اللي بيتردد علي السوشيال ميديا.. بينما الحقيقة هو اسمه العلمي "حرب نفسية psychological warfare" و "بروباجاندا حرب War Propaganda"..

"كارل بيركوف Karel C. Berkhoff" بيقول لنا عنها في كتابه "الوطن الأم في خطر motherland in Danger" إنها "ضرورية" و "لازم تتعمل".. حتى لو ثبت عكسها فيما بعد..

و يكفي عشان تتأكد من صحة المعلومة دي.. إنك تقرا اللي كاتباه "النيويورك تايمز New York Times" في الصورة المرفقة مع البوست دا.. في عدد 8 أكتوبر.. بعد ما عبرنا و دمرنا خط بارليف بيومين بمانشيت عريض في الصفحة الأولى:

"إسرائيل ترد بقوة داخل العمق المصري".. و: "إسرائيل دمرت الدفاع الجوي السوري"...!

و الحقيقة إن الدفاع الجوي الوحيد اللي سحقه النسور المصرية وقتها، كان الدفاع الجوي الإسرائيلي نفسه.. إللي اتعطل بالكامل بعدما حصلت المخابرات المصرية علي شفرته.. و حيدته...

بس مانشيت نيويورك تايمز دا اسمه "بروباجاندا حرب War Propaganda"..

خلصت معركة 67 و دخلنا في المرحلة اللي بعدها.. المرحلة اللي تألقت فيها آلة البروباجاندا الإسرائيلية الرهيبة.. بسيل لا ينقطع من الأخبار و الشائعات و الأفلام و القصص، عن بطولات الجيش الإسرائيلي، و عن قواته التي لا تقهر.. و عن اقوى مانع دفاعي في التاريخ، "خط بارليف Bar Lev Line" و اللي كلفهم ما يقرب من نصف مليار دولار.. و دا كان مبلغ خرافي وقتها..

"الخط الذي لا يقهر".. و "اقوى سلسلة تحصينات في التاريخ" كنت بتسمعها في الإعلام الإسرائيلي و العالمي.. و كان في جواسيس و خلايا بتنشرها بين المصريين.. خط لا يقهر.. مستحيل تقدر تعديه طول عمرك.. سيناء ضاعت..

و نجحت الخطة الإسرائيلية في النفاذ للصدور.. و دايما نفتكر كلمة نابوليون "الحروب تنحسم في صدور الرجال، قبل أن تنحسم في ميادين القتال".. افتكر الجملة دي طول الوقت.. عشان دايما حنرجع لها...

دا استدعى من المصريين حرب نفسية مضادة و آلة إعلامية مضادة...

وقتها المخابرات المصرية أدركت إن الحرب تكاد تنحسم في صدور الرجال.. و لو دا حصل.. يبقى مش فاضل غير إن إسرائيل تعمل طلعة كمان و تدخل قاهرة المعز...

المخابرات المصرية اجتمعت بكبار المفكرين و الأدباء و الفنانين و رجال الدين.. تصور وقتها كان فخر و شرف ووطنية إنك تنفذ مهمة لمخابرات بلدك أو تتعاون معها؟..

آه والله.. كان فخر و شرف إنك تتعامل مع أرفع جهاز أمني في بلدك ضد العدو.. قبل ما "حازم عبد العظيم" و "باسم يوسف" يعلمونا إنه عيب و قلة أدب و قذارة.. و إن الفخر كل الفخر هو إنك تجتمع مع الإرهابيين في فيرمونت أو الدوحة أو أنقرة...

المهم مرة.. فاجتمعت المخابرات المصرية بالناس دي.. النخبة المصرية وقتها.. و طلبت منهم يرفعوا روح الناس المعنوية.. كلامكم و كتابتكم بتوصل للجنود.. بتدخل كل بيت.. لازم تدخلوا بينا حلبة الحرب النفسية...

وبدأ الإعلام المصري حملة مضادة...

و انطلق سيل من الروايات، والكتب، والمقالات والمسلسلات، والبرامج الإذاعية والتليفزيونية يغمر وسائل الإعلام ويملأ آذان وعيون وعقول الناس، على نحو مالوش مثيل...

و بدأ المصريين يتجمعوا حول الراديو لمتابعة مسلسل "كلاب الحراسة" للأستاذ "كمال إسماعيل" اللي التقطه الأستاذ "نور الدمرداش" و حوله إلى مسلسل تليفزيوني، فتضاعف نجاحه و تأثيره، و كتب "محمود صبحى" برنامج "عيلة مرزوق أفندى" و هو اسكتش تمثيلي طريف بين "مرزوق أفندي" و أحد أفراد عائلته، يناقشه فيه علي الراديو، حول سلوك خاطيء يراه "مثل نشر أماكن أو تحركات عسكرية للأقارب المجندين في أماكن عامة كالمقاهي" أو "نشر شائعات".. أو اي حاجة من دي..

و أطلق الأستاذ "محمد سعيد" برنامجه "جند الله".. و ظهرت خماسيات مثل "الكمين" و "صراع حتى النهاية"...

أما الأستاذ الكبير "رأفت الخياط"، فقد كتب "البعثة 69"، و قدم الاستاذ "علي عيسى" ثلاثة برامج ناجحة تروي قصصاً عن الجاسوسية و البطولة و الحرب النفسية.. و قدّم "فايق إسماعيل" مسلسل "اللص و الجاسوس".. و عاد فيلم "عمالقة البحار" للسيّد بدير يظهر علي الشاشات.. و بدأت حملة مسلسلات و افلام عن بطولات "حرب الاستنزاف War of Attrition".. و انطلق العشرات من النخبة و الكتاب الوطنيين بأقلامهم زي "أنيس منصور" و "صالح مرسي" و "عبد السلام داوود".. والأستاذ الكبير "رأفت الخياط"، اللي كتب "البعثة 69"، و قدم الاستاذ "علي عيسى" ثلاثة برامج ناجحة تروي قصصاً عن الجاسوسية و البطولة و الحرب النفسية.. و قدّم "فايق إسماعيل" مسلسل "اللص و الجاسوس".. و عاد فيلم "عمالقة البحار" للسيّد بدير يظهر علي الشاشات.. و بدأ الراحل الكبير "ماهر عبد الحميد"، يكتب مقالات أسبوعية، فى جريدة الأهرام، للتعريف بدورالمخابرات العامة وأهميته و خطورته.. ويلهبوا حماس الناس أكثر و أكثر..

اللي حضر الفترة دي يقدر يقولك.. إنه بعدما كانت الناس عندها شعور بالهزيمة و الخجل.. بدأت تتساءل تاني "حنحارب إمتي"؟

الحرب النفسية دي مكانش ليها تأثير علي المصريين و بس.. لأ.. كان ليها تأثير علي عشرات الجواسيس و العملاء.. اللي جندتهم إسرائيل.. في سائر أنحاء الوطن العربي.. و بدأ ينمو داخلهم شعور بالخزي، و يتعاظم شعورهم بالوطنية و حب الأرض اللي بينتموا إليها.. اللي هو الشعور الطبيعي عند أي إنسان "طبيعي سوي العقل"..

دا أدى إلى تغيير وتبديل مواقف بعض العملاء، الذين يعملون ضد الدول العربية الأخرى أيضاً مثل سوريا و لبنان و الجزائر و دول الخليج، و بدأ يكتنفهم التردد و يتوقفوا عن التعاون مع العدو بالكامل..

الحرب النفسية دي إسرائيل نفسها حست بخطورتها.. فكتبت "جيروسالم بوست The Jerusalem Post" مقال طويل في عددها الصادر 26/4/1972.. بتحذر فيه من نتيجة الحملة اللي بيقودها الإعلام المصري لبث الحماس في الناس و توعيتهم و حثهم علي الوقوف خلف جيشهم.. بالإضافة إلي أنها بدأت تضعف الروح المعنوية للجيش و الشعب الإسرائيلي...

و استمرت الحرب الإعلامية المصرية جنبا إلي جنب مع الحرب المخابراتية و قدرت المخابرات المصرية تجيب شفرة الدفاع الجوي الإسرائيلي.. و تعطل محطة الإنذار المبكر الأمريكية.. في عمليتين في غاية الصعوبة و الروعة.. تلاقيهم في خامس مرجع لو تحب تقراهم..

و فضلت الحرب النفسية و المخابراتية و التقنية دي لحد لحظة العبور...

و بعد 1973.. أدركت المخابرات الإسرائيلية، أن الآلة الإعلامية المصرية، كانت أحد أهم ركائز النصر...

و بتقفز حروب الجيل الثالث قفزة واسعة.. فبيدخلها القنابل و الصواريخ الذكية و الطائرات بدون طيار و الأقمار الصناعية و غيرهم.. و بيزيد دقتها و مداها التدميري.. من غير ما تستغنى مطلقا عن الدور الاستخباراتي، و لا كفاءة الرجال و حسن تدريبهم...

دا شرح و نموذج لحرورب الجيل الثالث و دور الإستخبارات و الحرب النفسية فيها.. و دي بتختلف بالكلية عن حروب الجيل الرابع، اللي نشوفها لاحقا بإذن الله...

و لحديثنا بقية....


مراجع


6 - Karel C. Berkhoff, Motherland in Danger: Soviet Propaganda during World War II..

7 - Garth Jowett and Victoria O'Donnell (2006), Propaganda and Persuasion, 4th ed. Sage Publications, p. 7..

8 - Bar-Simon Tov, Yaacov. The Israeli-Egyptian War of Attrition, 1969–70. New York: Columbia University Press, 1980..

9 - Zeev Maoz, Defending the Holy Land, A Critical Analysis of Israel's Security and Foreign Policy, University of Michigan Press, 2006, pages 244–246..

10 - Ross, Sheryl Tuttle. "Understanding Propaganda" Journal of Aesthetic Education, Vol. 36..

11 - Uri Dan, Ariel Sharon: An Intimate Portrait. Michel Lafon Publishing, 2006. Page 50...

دردشنا سوا عن أجيال الحروب الثلاثة، و شفنا شجاعة الإسبرطيين، و مغامرات البوير، و بطولات الإستنزاف و العبور.. و شفنا فارق التطور من رماح و دروع و رجل لرجل.. لآليات حديثة.. لطائرات أحدث و دبابات و صواريخ أذكى و أقوى و أكثر تدميرا.. الكلام دا تلاقيه في أول ست مراجع لو تحب ترجع له...

و ذات صباح.. و تحديدا بين الأعوام 2011 - 2012؛ استيقظنا كلنا على شيء غريب..

أفرع الدفاع المكونة من سلاح الطيران و القوات البحرية و الدفاع الجوي و المشاة، و غيرهم مما يشكل قوام القوات المسلحة النظامية.. اللي الهدف منها في العالم أجمع هو حماية البلاد و صيانة أمنها القومي.. فجأة بلا سابق إنذار بقي اسمها:

"ميليشيات Militia"...

أما الإرهابيين و المسلحين و العصابات الإجرامية المنظمة، اللي بتقتل الأبرياء و تنسف و تفخخ مستشفيات و مدارس.. و تقتل أي شخص لمجرد إن شكله مش عاجبها، فدي بقي اسمها:

"جيش"...

لسه مافقناش من الصدمة دي.. عشان نفاجأ إن رجل البوليس.. الشرطي، المنوط بيه حماية الأمن و مكافحة الجريمة بقى اسمه "بلطجي".. بينما البلطجي المحكوم عليه اللي لسه هربان من السجن حالا بقى "بطل"...

حرق مركز الشرطة أو منشأة عسكرية أصبح "بطولة" و محاولة منع دا بقى اسمه "جريمة"...

رجل الأمن اللي استشهد و هو بيدافع عن قسم الشرطة.. و دفع حياته ثمن لأن سلاحه مايقعش في إيد مجرمين يروعوا الآمنين بقي اسمه "قاتل"..

أما اللي قتله و خد السلاح و انطلق يروع بيه الآمنين بقي "ثائر شريف"...

و في ميدان التحرير.. شفنا صور كتير لأيقونات ثورية.. متصورين جنب سيارات شرطة محترقة بمنتهي الفخر.. و متصورين و هم بيتفقدوها و رافعين لوحاتها المعدنية بمنتهي السعادة..

خد بالك من حقيقة مروعة: سيارات الشرطة المحترقة دي في أحيان كتير احترقت بمن فيها.. يعني فيها بشر احترقوا أحياء عشان رفضوا يسيبوها بما فيها من سلاح تقع في إيد عصابات و مجهولين..

مفيش آلام في الدنيا تفوق آلام الحريق.. النار.. اللي ربنا توعد بيها الخطاة و المذنبين و حط مهابة منها في أعماق كل مخلوق حيّ..

حتى الشياطين نفسهم...

و مع ذلك شفنا ناس بتتصور جوار سيارة و مبني، بعدما أحرقوهم باللي فيهم أحياء بمنتهي الفخر..

جريمة حرق بشري حيّ و مصرعه بعد آلام رهيبة ليس لها مثيل.. بقت مدعاة للفخر.. أما لو إنك كنت موجود و حاولت تنقذ البشري دا.. أو تمنع الجريمة دي بأي شكل.. تبقي مجرم.. و يمكن يحرقوك معاه.. و يتصوروا جنبك بالمرة...!

و فجأة لقينا علم مصر بيتنكس.. و يلقى على الأرض تطأه الأقدام.. و اتحول لمجرد قطعة قماش.. الهدف منها هي فرشها علي الأرصفة.. عشان تجلس عليها بدون ما تتسخ ملابسك.. و في المقابل.. ارتفع علم القاعدة و الإخوان في مصر.. و علم القاعدة و الإنتداب الفرنسي في سوريا.. و علم "الأحواز الإيرانية Ahvaz" في تونس.. و علم "ما قبل الجمهورية" في ليبيا...

و في ظل الكابوس الغير قابل للتصديق دا.. لقينا إن اللي رفع علم الإرهاب و الإحتلال بقي "فصيل وطني".. أما اللي حاول يرفع علم بلاده بقى "فاسد" أو "كافر"...

لو عملت قنبلة مولوتوف.. أو شلت سلاح و انطلقت في الناس تحرقهم وتدبح فيهم.. يبقي اسمك "معارض معتدل".. أما لو فضلت محترم و قلت رأي مخالف.. ماتبقاش معارض.. تبقي خائن و لجنة و قواد...

رجل الأمن اصبحت سبة.. شفنا كتير على مواقع التواصل و في الإعلام تعليقات من طراز "أيوه ما انت ضابط"..! بتتقال بمنتهي الاحتقار.. و شفنا أشخاص بتتقدم بمنتهي الفخر علي إنها "الأستاذ فلان.. هرب من السجن في يناير".. و "أنا اللي حرقت المجمع العلمي"..

تبقى رجل أمن.. دي حاجة عيب و عار.. تبقى رد سجون.. دي شيء يدعو للفخر...

القاتل اللي رمى الأطفال من فوق الأسطح.. بقى "شهيد".. و الأطفال اللي قتلهم بقوا "مجرمين"..

التعاون مع الأجهزة الأمنية لكشف الجريمة و منعها قبل وقوعها، عمل بطولي في كل الدنيا.. لكن فجأة صحينا علي إن دا "عار" و "خيانة".. بينما التعاون مع جهات أجنبية مجهولة.. و ترجمة منشورات و معلومات اقتصادية ليها و تلقي تمويل منها.. زي ما قالت أسماء محفوظ في تويتتها الشهيرة "أيوه بناخد تمويل" أصبح عمل وطني...

في كل الثقافات، حتى أكثرها قسوة و غلظة.. رغبات المحتضر لا ترد.. بتتنفذ.. حتى لو من جيش عدوك..

و لكن في سبتمبر 2013، اقتحمت جحافل الجماعة الإرهابية قسم شرطة كرداسة.. و استقووا بأعدادهم و بسلاحهم و قتلوا كل من فيه.. من ضمن المحتضرين كان العقيد "عامر عبد المقصود"، اللي تقدمت منه سيدة من ضمن الجموع و هو منهك مصاب.. و سألته عن آخر رغباته قبل الوفاة.. فطلب منها جرعة ماء.. فدفعت إلي فمه بزجاجة حمض كبرتيك مركز.. تسلل إلي جوفه، و لقى حتفه في الحال..

القاتلة الحقيرة دي اسمها "سمية شنن".. القتلة دي بقت "أم مثالية" و "طنط" و "سجينة رأي".. بينما الضابط اللي هي قتلته و هو قاعد في مكتبه اصبح - بشكل مش مفهوم إطلاقا - مجرم قاتل...!

خد بقى الكوميديا المطلقة.. لو كنت في أي دولة من دول الربيع العربي.. جيش بلدك بقى اسمه "جيش الاحتلال".. و جيش إسرائيل بقي اسمه "جيش الدفاع" .. و جيش تركيا بقى اسمه "جيش الخلافة".. و جيش أمريكا اللي هو عبارة عن مرتزقة من أوله لآخره بقى اسمه "الجيش الوطني".. و ممكن تقف على منصة و تدعوه في مكبر صوتي انه ييجي يحتل وطنك..!

اللي فوق دا "جزء" من كل.. جزء من مأساة كبيرة عاصرناها و شفناها بعنينا و لسه بنشوفها لحد النهاردة..

معلش دا حيخلي المنشور يطول شوية و نكمل الحوار لاحقا.. بس تعال نراجع سوا مستشفي الأمراض العقلية اللي فوق دا:

"الجيوش أصبحت ميليشيا.. و المليشيا الإرهابية أصبحت جيش"

"حرق البشر أحياء بقي فروسية و نبل.. و محاولة إنقاذهم جريمة"...

"رفع علم الإرهاب و الإحتلال وطنية.. و رفع علم وطنك خيانة و شوفينية و ضيق أفق"...

"رجل الأمن بقى شتيمة و سباب و عار.. بينما رد السجون الإرهابي بقى شيء يدعو للفخر"...

"حمل السلاح وقتل المعارضين "اعتدال".. بينما الرأي المخالف قوادة و عهر و كفر"...

التعاون مع أجهزة وطنك الأمنية خيانة.. و التعاون مع أجهزة أمنية أجنبية عمل وطني"...

"جيشك الوطني بقي جيش احتلال.. و جيش العدو بقي جيش الدفاع و الجيش الوطني"

"قاتل الأطفال بطل.. و الأطفال مجرمين"...

"القاتلة أم مثالية.. و المقتول أصبح.. قاتل"...

إيه دا؟؟ إيه اللامنطق و الخبل و الجنون دا؟؟

"حرب الجيل الرابع Fourth-generation warfare" اللي بيدللوها أحيانا "بالاسم 4GW"...

المقدمة دي كانت ضرورية عشان تقف مع نفسك و تشوف إيه الي بيجرى حواليك.. و في لحظة صدق و عقل تتساءل.. إيه اللي بيحصل دا..

إيه حروب الجيل الرابع دي و إيه خصائصها؟

المصطلح دا خرج من الولايات المتحدة سنة 1989.. أول واحد اتكلم عن حروب الجيل الرابع بشكل ممنهج كان "ويليام ليند William S. Lind".. ف كتاب بنفس الاسم.. و دا كان ثمرة بحثه مع فريق من العسكريين و رجال المخابرات و الباحثين الاستراتييجين.. و ربط بينها و بين التكنولوجيا الحديثة و حروب العصابات و "الحروب الغير متماثلة Asymmetric warfare".. يعني الحروب اللي فيها مجموعة أو فرق مختلفة بتحارب دولة تفوقها تسليحا و قوة و قدرة..

حرب الجيل الرابع بتهدف لتفكيك المجتمع و تحويله لقبائل و فصائل متناحرة.. عدوك لما بيبدأ عليك حرب من النوع دا هو بيخليك تحارب نفسك..

بمعنى أدق: بيخليك "تلتهم نفسك حتى الموت".. "تنتحر قومياً".. و أحيانا من غير ما يطلق هو عليك رصاصة واحدة..

إزاي بتبتدي حرب الجيل الرابع؟ و إزاي تعرفها و تقاومها و إيه الأمثلة عليها و إيه دور الحرب النفسية فيها؟

دا نتكلم عنه لاحقا بإذن الله.. و نربطلك قواعد الحرب دي بحاجات حصلت قدامك بالمراجع و الأدلة و البراهين.. و نسيبك تبحث و تتعمق أكتر..

و لحديثنا بقية...


مراجع:


7 - Marine Corps Gazzette, "The Changing Face of War: Into the Fourth Generation", October 1989..

8 - Lind, William S. "Understanding Fourth Generation Warfare...

9 - Colonel Thomas X. Hammes, 'Four Generations of Warfare' in The Sling and The Stone: On War in the 21st Century, St. Paul, MN. 2006, p 293...

10 - Thornton, Rod (2007). Asymmetric Warfare. Malden, MA: Polity Press...

11 - Arquilla, J., Ronfeldt, D, and Zanini, M. "Networks, netwar and information-age terrorism"...

12 - Director of Central Intelligence George J. Tenet on the "Worldwide Threat 2001: National Security in a Changing World"......

بعدما اتكلمنا عن أجيال الحروب الثلاثة الأولى، و قابلنا "ليونايدس" و أبطال إسبرطة.. و قابلنا "ثيرون" بطل البوير و نخبة من أعظم أبطال العبور و الإستنزاف المعروفين و المجهولين.. دخلنا في "حرب الجيل الرابع".. والكلام دا في أول مرجع للي يحب يرجع له..

و دلوقتي هات فنجان قهوة أو كوباية شاي.. و تعال نكمل كلام عن حرب الجيل الرابع بالذات...

- في دايما خط رفيع بين الحرص و البخل، بين الشجاعة و التهور.. بين التدين و التطرف.. بين التعقل و الجبن.. بين عزة النفس و الغرور.. بين الكرم و السفه، بين حق النقد و السباب الحاقد، بين الحرية و الفوضى...

حرب الجيل الرابع، عن طريق الميديا؛ بتجيب ممحاة، و تمسح لك الخطوط دي و تزيلها و تخفيها...

ميبقاش في أي فرق بين حق النقد و بين السفالة...و لا في أي فرق بين الحرية و بين الفوضى المدمرة..

بتدخل بيك في منطقة رمادية مشوشة مضطربة.. و بتضيع لك الحد الفاصل اللي بيخليك تقف علي حقيقة الأمور.. و بتقذف بك في دوامة ترتبك فيها المصطلحات و تختلط فيها التعاريف.. و تتوه الحقيقة و تتشوه...

- النقاط اللي بتركز حروب الجيل الرابع على تشويهها و إزالة حدودها الفاصلة مع بعضها هي "السياسة".. "الحرب".. "الدين".. "التعريفات العامة.. وطن و مدني و عسكري".. كل دا بيتشوه.. و تعال ناخد سوا مثال على دا من الواقع...

- تخيلوا معي إن أحد أعضاء "داعش".. مسلح بقنابل يدوية.. وصل إلي مدرسة أطفال.. و بعدين استل مدفع رشاش.. و قتل رجال الأمن.. و بعدين قصف مدرسة الأطفال دي بالقنابل.. قبل ما تلقى السلطات القبض عليه...

اللي احنا بنتكلم عنه دا إرهابي مدرب.. جه نفذ كذا عمليات اغتيال و كذا عملية ارهابية..

وقت محاكمته حاتسمع الجملة اللي سمعناها كلنا "لا محاكمات عسكرية للمدنيين"...

"مدنيين".. "مدني"...

إتشال الحد الفاصل بين "المدني" و "المقاتل".. و بقى "المقاتل" الإرهابي المدرب دا "مدني"...

سمعتها قبل كده علي مقاتل إرهابي اتمسك في سيناء.. صح؟

تعالوا ناخد مثال آخر..

في جميع الأنظمة في الدنيا عبر التاريخ.. الدولة بتحتكر أمور معينة.. الدولة بتحتكر القانون و تطبيقه.. و بتحتكر استعمال القوة في تطبيق القانون إذا لزم الأمر...

و لكن كلنا شفنا الدكتور البرادعي، لما وصف صد قوات المسلحة لعدوان إرهابي بأنه "عنف متبادل".. لأ معلش.. "استعمال القوة" المفروض بيكون من حق الدولة فقط، عن طريق سلطاتها الرسمية.. إزاي تحط القاتل و رجل الأمن في سلة واحدة و بتزيل الحد الفاصل بينهم؟

الدول "بتحتكر حق تكوين القوات المسلحة monopoly on combat forces".. دا في كل الدنيا.. و اللي بيرفع عليها السلاح بيعتبر مجرم...

لكن مع إزالة الخطوط دي.. شفنا عصابة مسلحة مسمية نفسها "الجيش الحر".. وواقفة لدولة ندا بند.. و كل اللي بينفذوا عليك حروب الجيل الرابع ماشاء الله مسميينها "معارضة مسلحة معتدلة"..

اقف مع نفسك و اسألها بصدق.. أمريكا تقبل تسليح المعارضة عندها؟ تركيا؟ قطر؟ و حايسموها برضه "معتدلة"؟؟

ناخد مثال تالت.. الدولة ممكن تتعاون استخباراتياً مع دولة أخرى.. و يتبادلوا معلومات استخباراتية لصد عدوان محتمل مشترك.. بينما مفيش حد في التاريخ بيدي الحق دا لأفراد.. بيبقي اسمه "جريمة تخابر"..

و لكن كلنا سمعنا بعد الثورة، لو تفتكروا.. لما اتكلمنا عن "قضية التمويل الأجنبي".. سمعنا "ماهي مصر بتاخد معونات و قروض من دول أجنبية"...

اتشال الحد الفاصل بين الدولة و الفرد.. و الدولة بتعمل يبقي "نعمل زيها".. الدولة بتسجن أفراد معينين سجن مؤبد.. عشان ارتكبوا جرائم معينة.. خلاص احنا كمان نجيب ناس شايفينهم مجرمين و نسجنهم في قبو.. الدولة بتطبق عقوبة الإعدام؟ و ماله.. نعدم ناس إحنا كمان زيها...

الدولة بتستورد مخدر، عشان تستعمله في صناعة الأدوية.. إحنا كمان نتاجر في المخدرات...!

بلبلة و تشتت و ارتباك...

حرية الرأي بقت هي الإيحاءات الجنسية و الشتيمة و السفالة.. و طبعا كلنا عارفين "البرنامج" و صاحب البرنامج.. اللي رسخ للمبدأ دا.. إطلاق الأكاذيب و الشائعات، اللي بتعمل بلبلة و تسبب كوارث..

- تعرف إنك ممكن تقتل واحد بشائعة؟

في شهر 7 من العام 2015.. حصل هجوم مباغت إرهابي في سيناء.. اللي حصل وقتها إن القوات المسلحة صدت الهجوم.. و تصدت له.. و كبدت الإرهابيين خسائر فادحة.. و قتلت من قتلت و ألقت القبض علي من ألقت...

و لكن الإعلام - أحد أهم أدوات حروب الجيل الرابع - بدأ يقول لنا إن داعش هزمت فرق القوات المسلحة.. و استولت علي أباتشي و عدة مدرعات و دبابتين.. و احتلت العريش بالكامل و تقدمت ووصلت للسويس..

تخيل إن في أمهات و آباء أولادهم أفراد في القوات المسلحة.. أو أطباء في مستشفي العريش.. أو بيشتغلوا في السويس.. كان ممكن يموتوا حقيقة بأزمة قلبية من "إشاعة" زي دي..؟

يعني بإشاعة ممكن تقتل شخص...

بالمناسبة اللي بدأ جوقة الإعلام دي ساعتها كان السي إن إن.. و تبعتها ابنتها المدللة.. الجزيرة..

- دور السي إن إن في الحروب اللي قادتها الولايات المتحدة و إسرائيل منذ نشأتها، فعال للغاية و حيوي، كأداة حرب نفسية.. لدرجة إن الدكتور المرحوم "بطرس بطرس غالي" الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة قال علي الملأ:

"إن السي إن إن هي العضو السادس عشر في مجلس الأمن CNN is the sixteenth member of the Security Council".. الكلام دا موثق في تاني مرجع للي يحب يرجع له...

دور السي إن إن في الحروب النفسية مروع.. و ثابت ومعروف.. لدرجة إن في نظرية لوحدها في "العلوم السياسية Political science" عن تأثير قناة السي إن إن في الحروب اسمها نظرية "تأثير السي إن إن The CNN effect".. و إزاي ببثها لأخبار معينة و شائعات معينة بتغير مسار حروب كاملة و توجهات دول كاملة.. لو حابب تتأكد تقدر ترجع لثالث و رابع مرجع في البوست دا...

دا يفكرك باللي قلناه قبل كده عن "الديلي ميل The Daily mail" اللي مؤسسها هو لورد "ألفريد هارمسوورث Alfred Charles William Harmsworth".. أول واحد أقنع إنجلترا تستعمل الحرب النفسية في الحروب و اللي اتكلمنا عنه في تاني لينك في أول مرجع...

- ربنا سبحانه و تعالى في كتابه العزيز في سورة النصر قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة: "إذا جاء نصر الله و الفتح".. يعني سمى سبحانه و تعالى عودة النبي لوطنه بـ"نصر الله و الفتح".. و نزل فيه آيات مخصوص.. لأن ربنا عارف إن الأوطان عزيزة.. و عارف إن مكة عزيزة علي نبيه صلى الله عليه وسلم...

و مع ذلك.. اتزال الحد الفاصل بين الوطن و الدين و تاهت التعريفات و اتشوهت الحقيقة.. فبقينا نشوف شاب عاقل رزين بيتكلم باسم الله و رسوله وبيقولك: "أنا ماليش وطن.. وطني هو ديني"..

ما شاء الله.. حضرتك بتعدل على الله نفسه.. و بتحط مباديء جديدة.. في نفس الوقت مقتنع إنك متدين، و حامي حمى الدين.. زي "سيد قطب" لما عدّل برضه علي رب العالمين و سمى الوطن "حفنة تراب عفن" بعدما ربنا قال في وصف الارض دي بالذات: "إنك بالواد المقدس طوى"..

في كل الأمثلة دي.. الشاب العاقل الرزين دا.. اللي المفروض هو وقود التطور و النجاح و شعلة حماس و عنده قابلية للتعلم و الإبتكار و التفوق العقلي و الرياضي و الفني و العلمي.. للأسف... تاه.. تاه و فقد بوصلته لما زالت الخطوط الفاصلة.. بين التعريفات الأساسية البديهية في عقله..

دي حرب الجيل الرابع .. بيشنها عليك عدوك عن طريق الإعلام.. إعلام مرئي.. مكتوب.. سوشيال ميديا.. تويتر.. و فيسبوك و أي وسيلة إعلامية ممكنة..

يمكن محدش خد باله من الصورة الموجودة في البوست السابق.. اللي هو آخر لينك في أول مرجع.. صورة المدفع الرشاش اللي جنبه "لابتوب".. اللابتوب ووصلة الإنترنت النهاردة بقوا من عتاد الإرهابيين.. في أي مكان في العالم.. زيهم زي السلاح الناري بالضبط...

طيب إزاي بيقدر يوصلك إعلاميا و يغير المفاهيم في عقلك للدرجة دي؟

بيكتب إزاي؟ بيقول إيه؟ إزاي تحمي نفسك؟

و طالما في "تأثير السي إن إن CNN effect".. في يا ترى في العلوم السياسية حاجة اسمها "تأثير الجزيرة Aljazeera effect" ؟

كل دا نتكلم عنه لاحقا بإذن الله.. و للحديث بقية...


مراجع:


2 - Larry Minear, Colin Scott, and Thomas G. Weiss, The News Media, Civil War, and Humanitarian Action (Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers Inc., 1996), 4.

3 - Steven Livingstone, ‘Clarifying the CNN Effect: An Examination of Media Effects According to Type of Military Intervention’, Harvard Research Paper R-18 (1997), Joan Shorenstein Barone Center on the Press, Politics and Public Policy, Harvard University, Cambridge, MA, 4.

4 - Belknap, Margaret H. The CNN Effect: Strategic Enabler or Operational Risk? PDF: (http://www.iwar.org.uk/psyops/resources/cnn-effect/Belknap_M_H_01.pdf). U.S. Army War College

5 - Ghanshyam. S. Katoch, Fourth Generation War: Paradigm For Change

6 - Beyond Fourth Generation Warfare, Dr. George Friedman, Stratfor Forecasting, p. 1, July 17, 2007..

إتكلمنا سوا عن أجيال الحروب الثلاثة، ووصلنا لـ"حرب الجيل الرابع 4GW" و شفنا ازاي بتمسح الخطوط الفاصلة بين الفضائل و النواقض.. و تخلط التعريفات، بحيث مايعرفش المرء الفرق بين الوطن و الدين، و لا المدني و المقاتل، و لا الحقيقة و الشائعة.. و إزاي الحرب النفسية عن طريق الإعلام هي الركيزة الأساسية فيها، بنسبة تكاد تصل لـ80%.. بينما حرب العصابات بتمثل الباقي..

الكلام دا في أول مرجع للي يحب يراجعه...

- حروب الجيل الرابع ليها عدة خصائص.. من ضمنها إنها: 1 - مرهقة و طويلة المدى لأي دولة.. 2 - بتستعمل تكتيك الإرهاب (خد بالك الإرهاب تكتيك.. مش فكر) ؛ 3 - المقاتلين اللي بيحاربوا الدول فيها مالهمش قيادة.. و ماتعرفش مين تبع إيه.. زي ما شفنا في سوريا و ليبيا كمثال.. خمسين لواء و خمسين فصيل إرهابي و ماتعرفش مين تبع التاني.. 4 - بتستعمل الميديا بقوة.. 5 - بتهاجم مدنيين مالهمش علاقة بالأطراف المتحاربة.. زي ما بنشوف انهم ساعات بيزرعوا قنبلة في قطار أو طائرة.. خد بالك دا مش وسائل نقل عسكرية دي وسائل بيركبها كل الناس.. حتى المؤيدين ليهم..

عشان كده الإرهابي عنصر قوي مهم في حرب الجيل الرابع.. لأنه مبيعملش وزن لحياة أي حد.. حتى مؤيديه.. بعكس الدولة اللي بتسعى للحفاظ علي أرواح الأبرياء طوال الوقت...

أما الأهم و الأخطر فهي إنها: 6 - بتهاجم ثقافة المجتمع بشكل مباشر...

- إزاي بتهاجم ثقافة المجتمع مباشرة؟ تعال نشوف مع بعض.. و نقارن.. و انت تعرف لوحدك و حتلاقي أمثلة بتيجي في راسك لوحدها...

سنة 750 ميلادية تقريبا؛ رجل الدين و العالم الجليل "الخليل بن أحمد الفراهيدي Al-Khalil ibn Ahmad" اللي أعرب القرآن الكريم ووضع علم العروض و اتتلمذ "سيبويه" علي إيديه، دخل في مناظرة مع أستاذه "عمرو بن العلاء".. مناظرة في علم النحو و قواعد اللغة..

المناظرة كانت قوية للغاية.. حامية و الحماس متملك الجميع.. المتناظرين و الحضور..

و بعدين وصلوا سوا لآخر سؤال في المناظرة.. سأله أستاذه عن مسألة نحوية، كان قتلها بحثا مع تلاميذه قبلها بيوم و عارف إجابتها كويس أوي.. لو "الخليل بن أحمد" جاوب السؤال دا.. يفوز علي أستاذه...

و لدهشة الحضور، ووسط ذهولهم.. رد الخليل بإنه مش عارف الإجابة..

ربح "عمرو بن العلاء" المناظرة، و خرج الخليل مهزوم.. فلما سألوه الناس ليه مجاوبش علي السؤال و فاز بالمناظرة.. كان رد الخليل إن "عمرو بن العلاء" أستاذه، علمه و علم الناس فوق الستين سنة.. و في الآخر و هو بيناظره فاق من الحماس.. و أدرك إنه لو فاز عليه حايضيع حرمته و يهز صورته أمام الجميع.. ففضل إنه يخسر...

الحقيقة إن هي دي ثقافة مجتماعتنا بالضبط.. احترام الكبير و توقيره.. و في الحديث الشريف "ليس منا من لم يوقر كبيرنا".. اتربينا علي ده طول عمرنا...

قارن التفكير دا باللي بيحصل النهاردة، بشاب اختلطت في ذهنه المفاهيم.. و انقلبت عنده الحقائق و اتبدلت ثقافته.. لدرجة إنه بيقول علي أبوه "جيل عرّة فاشل" و بيشهر بيه في كل وقت، لمجرد إنه مختلف معاه سياسيا.. أو مش متوافقين علي مرشح معين..

قارن التفكير دا بواحد ناشر صورة أمه و هي واقفة في طوابير لجان الإنتخابات و بيتمنى لها الموت.. عشان شايف إن موتها هو السبيل لأنه هو يعيش...

قارنت؟ شفت حرب الجيل الرابع ممكن تعمل إيه؟ ممكن تعمل كتير جدا.. ممكن تفكك المجتمع حتى علي مستوى الأسرة و تحولك لحيوان متعطش للدم.. مابتفكرش غير في الدم و الموت و الخراب.. و شفنا بعنينا.. اللي بيقتل أمه و يدبح أبوه.. من أجل الخلافة الأمريكية...

بتسمع دا و تشوفه كل يوم بالفعل.. بتلاقي الشاب المحترم ابن الناس.. بيقولك بالحرف: "بكرة تقوم ثورة جياع و تعرفوا إن كلامي صح"..

يعني هو بيتمنى يشوف أبوه و أمه و أخته و عمته و جدته بيموتوا من المجاعة و بيتقاتلوا علي الرغيف و بيتحولوا لهياكل عظمية غائرة العيون من فرط المسغبة.. عشان "نعرف إن رأيه صح"...

تعال ناخد أمثلة تانية علي الهجوم الضاري علي ثقافة المجتمع.. المرة دي انا حسألك و أنت مش حتلاقي إجابة منطقية..

"ليه رُفع علم القاعدة و الإخوان في مصر؛ و الأحواز في تونس؛ و الإنتداب الفرنسي في سوريا؛ و علم (ما قبل الجمهورية) في ليبيا؟"

ايه علاقة دا بالثورة علي النظام الحاكم؟ في خلل برضه و خلط بين كلمات زي "دولة".. "نظام".. "حكومة".. "وطن" و "رئيس".. التعاريف دي اختلطت و بقت كلها واحد.. لدرجة إن شاب ثائر يروح يأيد و ينضم لدولة تانية في حربها علي وطنه، لمجرد إنه مش عاجبه رئيس الدولة...

ليه اتغير العلم؟ العلم ايه علاقته؟

مفيش إجابة.. صح؟

الحقيقة مفيش أي علاقة بين تغيير النظام.. و استبدال علم البلد اللي موجود بقاله عشرات السنين و بتتعاقب عليه الأنظمة و الحكومات.. بس هدف تبديل العلم في الحقيقة هو "تغيير كل شيء على الأرض و في بنية المجتمع..."

يعني مش بس علي مستوى القيادات، اللي بسوء إدارتها اتسببت في خلل في العدالة الإجتماعية أو تفشي للفساد أو الإهمال أو تقييد الحريات.. لا.. "على مستوى المجتمع"..

الشباب النضيف اللي نزل في يناير متصور إنه بيدفع بلده للأمام و رفع علم مصر.. دا لازم ينتهي و ينقرض.. لازم "يكره الوطن" و يحرق العلم.. لازم تفكيره يتغير...

المستهدف مش النظام مطلقا.. ماهي الدول اللي بتدعم التغيير و الثورات و الديموقراطية.. عاشت مع الأنظمة دي سنين طويلة.. اكتشفوا فجأة يعني إن مفيش ديموقراطية؟

المطلوب هو ضرب كافة عوامل صمود المجتمع و تلاحمه و انتاج مجتمع جديد.. متقسم و متفرق.. قايم علي الفتنة و المذهبية و الطائفية كشريعة و قانون...

المستهدف هو تدمير كيان الدولة القائمة بكامله و اعادة انتاجه بصيغة تتوافق مع مصلحة اللي مسلط عليك حرب الجيل الرابع.. فقط.. راجع تدمير الآثار و التراث في العراق و سوريا.. و أتأكد بنفسك من صحة كلامي.. أنت سايب الثورة و الخلافة و رايح تكسر تماثيل طوب؟ يا ترى ليه؟

تدمير ثقافي شامل.. تجريف.. بيغير ثقافتك عشان يهيأك تتقبل اللي هو عايزه...

يعني لو من مصلحة اللي بيحاربك إنه يشيل ديكتاتور.. و يجيبلك ديكتاتور بدقن.. حيغيرلك بنية المجتمع بالكامل عشان تتأهب لتقبل الفكرة دي.. و يبقي المجتمع كله متطرف متشدد.. و يبدأ ينشر لك الأفكار التكفيرية.. و تفاجأ علي الشاشات العالمية للبي بي سي و السي إن إن بـ"القرضاوي".. و "العريفي" و غيرهم.. و هم بيبثوالك فكر متطرف..

الفكر دا هدفه يهيأك لتقبل فكرة إن تحكمك جماعة إرهابية متطرفة، ماهو خلاص بقى.. فكركم بقى واحد..

الخطة دي نجحت في أفغانستان بالفعل.. لما أمريكا عملتها في روسيا هناك.. و اعتلى الإرهابيين المنابر.. و افتتحوا آلاف المدارس اللي بتدرس فكرهم المتطرف.. فطلع أجيال كاملة زيهم.. متقبلين فكرة وجودهم و بيسمعوا كلامهم...

و اتغيرت ثقافة المجتمع...

و انهار...

الموت و الدم و الإرهاب و الكآبة و الكراهية تبقى ثقافة.. و ساعتها تتقبل تماما منظر طفل صغير متفخخ.. زي الصورة دي.. و هو المطلوب...

يبقي قتلة الأطفال "مجاهدين" و اللي بيحاربهم "قاتل و سفاح"..

أفغانستان نموذج لدولة نجحت فيها حرب الجيل الرابع "تغيير ثقافة المجتمع + حرب العصابات".. زي ما قلنا قبل كده.. حروب الجيل الرابع قديمة مش حديثة.. بس اللي اتكلم عنها بشكل ممنهج لأول مرة كان الأمريكي "ويليام ليند" سنة 1989...

من التجريف الثقافي اللي عملوه عندنا إن معظم الناس النهاردة مش حابة تقرا.. القراءة بقت "شيء منفر"...

يعني الناس بقت عايزة الدعابة و الكوميك الخفيفة.. و معلومات من طراز "هل تعلم إن السحلية لها ذيل".. و بكده يتصور إنه بقى مثقف..

عشان أنت لو قريت و تعمقت.. حتوصل لحاجات كتير ترفع مستوى ثقافتك و حياتك و تخليك قادر علي التصدي له.. و بالتالي خطته تفشل..

بالمناسبة صفحات الكوميكس الخفيفة، نموذج إعلامي مباشر لحروب الجيل الرابع.. لاحظ إنه نادرا لو قالك نكتة عادية.. زي النكت اللي بنتبادلها يوميا.. لأ نكته كلها سياسية.. بتسخر من المجتمع نفسه و فكرة الدولة و السلطات و الحكومات..

ممكن صفحة الكوميكس تسخر من الرئيس السيسي.. بس تسخر من "حازم أبو إسماعيل" لأ.. ممكن تسخر من عالم زي الدكتور "محمد العريان".. بس تسخر من فضيحة "مصطفي النجار" الشهيرة في المكالمة المسربة مع "ابن القرضاوي" لأ..

و خد دي بقى.. ممكن تسخر من "دونالد ترامب".. بس الست العفيفة "هيلاري كلينتون".. "لأ"...

خدت بالك من دي؟

عرفت مين بيشغل الناس دي كأداة إعلامية في حروب الجيل الرابع؟

في رابع مرجع من البوست دا حتلاقي "باسم يوسف" و هو بيقول في فيديو.. إنه "مايصحش السخرية من أردوغان طالما بيتضايق.. و مش مفروض أردوغان يرد علي اللي بيسخروا منه"..

"باسم" اللي صدر السخرية علي إنها حق مشروع من أي حد و مش من حقك تتضايق و دي حرية.. خايف علي مشاعر "أردوغان" و شايف إنه معذور و من حقه يتضايق.. دا نموذج للمفاهيم لما تختلط و الحقائق لما تتقلب...

اتكلمنا المنشور اللي فات عن دور السي إن إن في التلاعب بالعقول.. و نظرية "تأثير السي إن إن CNN effect".. الجزيرة في العلوم السياسية مصنفة زيها بالضبط.. و علماء السياسة و الإقتصاد مصنفينها على إنها بتعمل بالتوازي مع السي إن إن؛ لخلط الحقائق و بث الشائعات و التأثير علي العقول و المجتمعات بالكذب.. و أطلقوا علي دورها دا.. "تأثير الجزيرة Al Jazeera effect"..

لو مش مصدقني إرجع لخامس و سابع مرجع.. أو حتى دور بنفسك...

بالمناسبة أول من روج لداعش و شهرها و قدمها للعالم.. كانت قناة الجزيرة في 9 إبريل سنة 2013، في رسالة صوتية بثها التنظيم نفسه علي القناة ...

من أهم الأدوار اللي بتمارسها الجزيرة و سي إن إن و باقي جوقة حرب الجيل الرابع.. هي إنها "بتركز لك جدا علي السلبيات".. بتجيب من عندك الفساد أو الرشوة أو الإهمال أو غيرهم.. و تسلط عليهم الضوء و تكبرهم.. و توهمك إنك الوحيد الي بتعاني من دا.. مش كل العالم بيعاني منه..

الدكتور "جورج فريدمان Dr. George Friedman" في كتابه "ما وراء حرب الجيل الرابع Beyond Fourth Generation Warfare" بيقول لنا إنه في سبيل تحقيق دا.. لازم عدوك يهاجم أي إنجاز أو محاولة للتطور و التقدم بتعملها.. و لازم يسفه من مشاريعك القومية باستمرار بالإضافة إلي إنه يوهمك إنها بتخسر أو مالهاش أي جدوي..

دا اللي عملوه بالضبط مع كل مشروع قومي الدولة عملته.. من أول قناة السويس الجديدة، اللي بيسفهوا منها طول الوقت.. و بعدين يقنعك إنها بلا جدوي و بتخسر.. زي مشروع مساكن العشوائيات.. اللي ملقاش حاجة يقولها عنه فقالك إن الملاعب قريبة جدا من المباني..

المهم الإنجاز يتسفه و خلاص.. و تحس طول الوقت إنك فاشل سيء ضعيف.. تحس بالضغط و العجز و الفشل.. فتبدأ تتجه لحد بيوعدك بالجنة و الحوريات و النعيم.. تسمع له في رحلة البحث عن ذاتك اللي سرقوها منك.. و تنضم له..

دا الهدف...

أنت لو بقيت متفائل متحمس و اشتغلت.. تبقى فشلت الحرب.. و هو مش عايز دا مطلقا.. عايز يستمر و يكمل معاك.. لحد ما تنهار و تقع و تبقى طائفي.. كاره لوطنك و لنفسك و للحياة...

"الشيطان يعدكم الفقر".. كلمة قالها ربنا سبحانه و تعالى عن شياطين الإنس و الجن.. اللي بيعدوا الناس بالفقر و الضياع و "ثورة الجياع" و للأسف في بيعد الناس بالفقر.. و هو متصور - بسبب خلط المفاهيم في ذهنه - إنه بيدافع عن الدين...

و إن شاء الله المرة القادمة يكون لحديثنا ختام...


مراجع:


2 - Beyond Fourth Generation Warfare, Dr. George Friedman, Stratfor Forecasting, p. 1, July 17, 2007..

3 - Ghanshyam. S. Katoch, Fourth Generation War: Paradigm For Change...

4 - https://www.facebook.com/hammouda.m.hammouda/videos/vb.100000083042193/1207230619289695/?type=3&theater

5 - William Lafi Youmans, Al Jazeera Effect...

6 - Schmitt, John F. " Command and (Out of) Control The Military Implications of Complexity Theory"..

7 - "The 'al-Jazeera Effect': - The Washington Institute for Near East Policy"... http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-al-jazeera-effect-arab-satellite-television-and-public-opinion

8 - Colonel Thomas X. Hammes, 'Four Generations of Warfare' in The Sling and The Stone: On War in the 21st Century, St. Paul, MN. 2006, p 293....

مضينا مع بعض وقت لطيف و إحنا بنتكلم عن أجيال الحروب.. ووصلنا لـ"حرب الجيل الرابع 4GW" اللي بتمحي الخطوط الفاصلة بين الأمور و بعضها.. و تعكس الرذائل لفضائل و تحول الفضائل لعيب و رجعية و تخلف.. و تنام و تصحى تلاقي رجل الأمن و رجل القوات المسلحة بقى إرهابي.. و الإرهابي التكفيري بقي "فصيل وطني"...

عرفنا كمان إزاي اللابتوب ووصلة الإنترنت بقوا من أسلحة الإرهابيين النهاردة حول العالم.. و مايستغناش عنهم أبدا.. زي المدفع و القنبلة بالضبط.. الكلام دا كله في أول مرجع للي يحب يرجع له...

ازاي تقدر تفرق و تتصدي لحرب الجيل الرابع؟ خد بالك حرب الجيل الرابع مالهاش "خطة بديلة Plan B".. لأنها بتعتمد على خداع الشعوب.. فلو أنت أدركت إنك في حد بيحاول يخدعك.. الخطة بتفشل.. عشان كده هي طويلة و عدوك بيبقي كله إصرار.. لازم ينجحها و يوقعك في الفخ بالعافية..

في ناس بتقول إن بعدها في جرب جيل خامس.. بتعتمد على طفلك اللي لسه صغير.. و الحاجات اللي بيستقبلها عقله في التعليم و الكارتون و غيره.. و في ناس قالت إن في جيل سادس كمان...

بس بما إني مالقتش مراجع محترمة بتتكلم عن الجيل الخامس أو السادس حاليا، فيبقي مش حاينفع أفتي و أتكلم عنهم من فراغ..

زي ما شفنا حرب الجيل الرابع بتعتمد على الإعلام.. بكل أنواعه.. مرئي. مكتوب.. أو سوشيال ميديا.. و المعلومات اللي بتتداول عليها.. حرب الجيل الرابع جزء مهم جدا منها "حرب المعلومات" ...

"حرب المعلومات Information warfare" هي مبدأ عسكري أمريكي، بمقتضاه اللي بيمتلك المعلومات و يستطيع استخدامها في كذا إتجاه منها "الإقناع".. بيكسب نصف الحرب...

بتتعمل ازاي الحرب دي؟

بيطلق عليك آلاته الإعلامية.. أو ينشر لك رجالته تنشر لك معلومات كاذبة.. في حرب المعلومات ماسمهاش "معلومة كاذبة - بالإنجليزي false information" اسمها المرة دي بالإنجليزي "المعلومة المضللة Disinformation".. لأنها "عمدية"...

"الشائعة" عبارة عن إيه؟ هي معلومة.. بيقولهالك شخص.. بس معلومة كاذبة..

بموجب المعلومة الكاذبة دي بيحاول يثير ذعرك أو يولد عندك مشاعر سلبية.. بيحاول زي ماشفنا يقنعك بعدم جدوى أي إنجاز.. أو بيحاول يضمك لصفه.. العبث بالتاريخ مهم جدا.. فتبقي مصر إتهزمت في 73 و إسرائيل سابت سيناء محبة.. و رفعت الجمال جاسوس إسرائيلي بس جابلنا شفرة الدفاع الجوي الإسرائيلي غلاسة.. تاريخ بيضيع و حاضرك بتتشوه فيه الحقيقة و مستقبلك بيحولوه لضياع...

بالمناسبة لو رأفت الهجان لسه عايش.. كان زمنه النهاردة اسمه "أمنجي" و "لجنة" و "مطبلاتي".. ماتستغربش.. ماحنا شفنا إزاي بيقلبوا الحقايق.. و الجريمة تبقى عمل بطولي.. و البطولة تبقى عار و خيانة...

إزاي تميز الشائعة من الحقيقة؟

بطريقتين.. الطريقة الأولى هي إن الشائعة مالهاش أي مصدر محترم.. تلاقي جرايد زي "الشعب" و "المصريون" و "رصد" و "كلمتي" و "الجزيرة" و "سي إن إن" - الاتنين الأخرانيين دول شفنا إزاي عالميا معروفة إنهم آلات شائعات - و تسمع بدل المصدر "واحد قريبي" و "بيقولوا" و "سمعت" و "حد ثقة قاللي" .. إلي آخر الخزعبلات دي...

أما الطريقة التانية فهي إن الشائعة مستحيلة الإثبات.. زي الشائعة اللي كانوا بيحاولوا يروجوا لها عن الرئيس السيسي "أمه يهودية مغربية".. و محدش منهم عرف يثبتها طبعا لأنها مش صحيحة.. و عشان هو جزء من منظومة بتحاربك و بيقبض فلوس علي دا.. بيحاول يثبتهالك بالتزوير و الفوتوشوب و الكذب..

في شائعة تانية بيحاولوا يلبسوها للأطفال بالعافية في أفلام الكارتون و غيرها.. "الأهرام بناها فضائيين".. و تلاقيه بيقولها بثقة لدرجة إنك تحس إنه كان قاعد مع المقاولين الفضائيين دول.. و طبعا دا كلام مالوش أي سند علمي محترم...

الإرهاب اللي اتكلمنا عليه في حرب الجيل الرابع بيشمل "الإرهاب الفكري".. كلنا فاكرين المذيع "أحمد العسيلي" لما كتب مرة رأي مخالف.. الإخوة أنصار "الحرية و الديموقراطية" شتموه و خاضوا في عرضه ازاي.. الإرهاب الفكري دا هدفه إنه مايفكرش و مايحاولش يخرج برا المسار المرسوم.. القضبان اللي ماشية عليها قاطرة حرب الجيل الرابع...

من طرق الإرهاب الفكري برضه فكرة السخرية.. "أنت معانا و إلا تبقي مسخة و نكتة و مثار سخرية".. و عشان كده دايما في حروب الجيل الرابع بتظهر الكوميكس و الإسكتشات السياسية زي ما شفنا "البرنامج" و زي ما ظهرت "فاهيتا"..

الأمريكان محترفين في الموضوع دا.. لدرجة إنه خلال حرب فيتنام اتعملت وحدة كاملة لنشر الدعابات و السخرية من الفيتناميين.. و كان اسمها "وحدة النكات Humor archives".. بس المشكلة إن الفيتناميين ماكانوش بيعرفوا إنجليزي و ثقافتهم مختلفة ومش فاهمين الدعابة.. فالموضوع مأثرش فيهم.. فبدأت أمريكا تدخل لهم من باب الدين...

الفيتناميين مؤمنين إن ارواح القتلي بتحوم في المكان اللي ماتت فيه لفترة.. فكان الجيش الأمريكي بيحطلهم في الغابات مكبرات صوت.. تبث أصوات مرعبة ليلاً.. تبدو و كأنها أصوات أرواح زملائهم اللي ماتوا.. و كان الصوت بيقول "انا مت.. أنا باتعذب في الجحيم".. إلي آخره.. و لسوء حظ الأمريكان مانفعتش الدروشة دي.. العملية دي كان اسمها "عملية الروح الهائمة Operation Wandering Soul ".. تقدر تسمع الصوت دا في خامس مرجع لو تحب..

بالمناسبة النهاردة في جيل كامل في أمريكا مقتنع إن أمريكا انتصرت في حرب فيتنام.. بسبب افلام السينما زي "رامبو Rambo" و "رجال العدالة Watchmen".. لدرجة إن "جوناثان باسكن Jonathan Salem Baskin".. كتب مقال في 25 يوليو 2014 نشره في جريدة رصينة زي "فوربس Forbes" بيتكلم فيه عن الموضوع دا و عنوانه إنه "طبقا للبيانات الأمريكية، فقد ربحنا حرب فيتنام According To U.S. Big Data, We Won The Vietnam War"..

في يوليو 2015، حصل صدام عنيف بين القوات المسلحة المصرية و الإرهابيين في سيناء.. و داعش أصدر وقتها نشيد "صليل الصوارم".. النشيد دا يفترض إنه يردده رجال داعش فيحسوا بالحماس في ارض القتال.. حاجة كده زي طبول الحرب بتاعت زمان.. بس السؤال المحير.. هم نشروه لنا ليه عبر "قناة الجزيرة" و صفحات "رصد"؟

إحنا مش في ميدان المعركة...

نشروه لنا ليه علي السوشيال ميديا...؟؟

لأن في الواقع هو دا "ميدان المعركة".. أنت.. و خوفك و احساسك بالعجز و الضعف و الفشل.. هو دا اللي بيسعى إليه.. لو نجح في دا.. مايقدرش يقف أمامه ألف جيش..

معركته هي "أنت"... "الحروب تنحسم في صدور الرجال قبل أن تنحسم في ميادين القتال".. عبارة نابوليون اللي قلناها قبل كده.. و قلنا نفتكرها باستمرار.. عشان حانرجع لها...

هو بيستعمل السوشيال ميديا و الإعلام كميدان لمعركته.. عشان هو معركته في كل بيت.. مش على الأرض.. معركته على الأرض بالمدفع و القنبلة توازي 10% من إجمالي حربه الحقيقية...

بتلقائية و بدون ترتيب المصريين حولوا النشيد دا لنكتة و دعابة و فقد قيمته.. و بقى مستحيل يبقى له اي تاثير.. دي من خصائص الجيل الرابع من الحروب.. "اللي بيروح مابيرجعش" و السلاح اللي بيفقد قوته.. بينتهي و مابينفعش تستعمله تاني.. لو عايز تتأكد بنفسك.. افتكر كويس و لاحظ إن داعش مخاطبش بعدها المصريين بنشيد تاني أبدا...

لو عايز تتأكد أكتر.. شوف كام إعلامي و سياسي من اللي لمعوا في بدايات الربيع العربي.. انسحبوا و اختفوا و بطلوا كلام في السياسة.. و شوف كام أيقونة توارت في الظل.. لإنهم بالنسبة لمشغل الحرب.. اتحرقوا و انتهوا...

بتتبدل الوجوه و تظهرلك وجوه جديدة.. يحاولوا يحطموالك أي إنجاز عن طريق الشائعات و "اصل في حد ماعرفوش قاللي".. زي ما عملت "منى مينا" في موضوع السرنجات.. في موقف يهدد السياحة العلاجية بتاعتك بالكامل...

في حروب الجيل الرابع.. الدولة الذكية بتدخل نفس الميدان.. طبعا مش بالكذب و الشائعات.. لا.. بتتصدى للكذب و الشائعات.. و تعمل قنوات خاصة بيها.. زي ما أمريكا عملت السي إن إن و زي ما روسيا عملت روسيا اليوم.. و تعمل خطوط ساخنة للإبلاغ عن أي إرهابي متطرف.. و توري الناس الإنجازات الحقيقية و تشركهم فيها و تحاول تنمي عقولهم و ثقافتهم..

لازم عنصر السرعة و الحسم.. و تعديل التشريعات عشان معاقبة اللي بيصدر الشائعات و يضر بالأمن القومي.. لو تفتكر الموقف اللي اتكلمنا عنه في يوليو 2015.. صدام الجيش و داعش.. الناس فضلت تتخبط بين السي إن إن و البي بي سي و الجزيرة و غيرهم.. بينما المتحدث العسكري، خرج و اتكلم للمرة الأولى على صفحته بعد 7 ساعات تقريبا.. و دا خطأ ينبغي تداركه.. لأن الوقت في الحروب دي عنصر فاصل حيوي مهم...

ماتنساش إن الجنود العراقيين بسبب الجزيرة و السي إن إن، بدأوا ينهزموا داخليا و ينسحبوا و يستسلموا، قبل أي تدخل بري بالفعل...

اللي يقولك تاني إن الأمريكان مابيتحكموش في الإعلام لأن عندهم حرية إعلام و ديموقراطية.. ابقى قدمله تاسع مرجع عن "اليد الخفية للبنتاجون في الإعلام المرئي".. و سيبه يقرا بنفسه..

يبدو إن الزمن دار.. و الموضوع اتغير بالكامل بشكل غريب مثير للغثيان..

موقعة "ثرموبيلاي Battle of Thermopylae".. و 300 مقاتل من جيش إسبرطة، واقفين في تحد لمليون جندي من جنود العدو.. "دانيال ثيرون Daniel Theron" يثب من بين الأغصان علي سرية عسكرية بريطانية و هو مسلح بخنجر.. الطائرات الألمانية تلقي بمنشورات الحرب النفسية فوق "لندن" و "باريس" و "ستالينجراد".. الملازم المصري "رامي عبد العزيز" في قلب الظلام في أعماق البحر ينطلق بمفرده مهاجماً "بات يم" بينما زميله "عمرو البتانوني" يسبح وسط أسماك القرش، و يستعد للإنقضاض علي "بيت شيفع" كما ينقض الموت علي جسد حي.. "صالح مرسي" يعد فنجان قهوته و يشعل سيجارته و يمسك قلمه الأسود ليكتب قصة حياة "رأفت الهجان" .. "رفعت الجمال".. أو "رأفت الهجان" الحقيقي؛ يشارك في عملية شفرة الدفاع الجوي الإسرائيلي.. صاحب أقوى شبكة تجسس في تاريخ المخابرات و التي لم يتم كشفها قط.. الربيع.. "البرنامج".. "فاهيتا".. القرضاوي.. ابن القرضاوي.. العريفي.. منى مينا.. معتز مطر.. "السي إن إن".. فيسبوك.. تويتر.. البوب كتب تويت؟ "رصد" و "تأثير الجزيرة"...

يبدو إن الحروب اتغيرت كتير من يوم ما وقف 300 جندي إسبرطي شجاع قافلين ممر "ثرموبيلاي" أمام مليون جندي فارسي.. مسلحين فقط بالرماح و الدروع.. عارفين إنهم محدش منهم حايرجع أبدا.. الغبار و العرق و التعب و صوت الخيول و صفير السهام.. محدش ينفع يتراجع و لا ينسحب و إلا يبقي خرق "القانون".. بيتبادلوا الإبتسامات.. و عارفين كويس.. إنها المرة الأخيرة...


مراجع


2 - Garth Jowett and Victoria O'Donnell (2006), Propaganda and Persuasion, 4th ed. Sage Publications, p. 7..

3 - Air Force Doctrine Document, 2-5.3 Psychological Operations (27 August 1999)

4 - SGM Herbert A. Friedman (Ret.) (December 31, 2005). "The Wandering Soul

5 - https://www.youtube.com/watch?v=JncybmK-in0

6 - Rumsfeld's Roadmap to Propaganda", George Washington University National Security Archive Electronic Briefing Book, 177

7 - Lind, William S. (January 15, 2004), "Understanding Fourth Generation War", antiwar.com, retrieved February 7, 2010.

8 - The Foreign Information Program and Psychological Warfare Planning", Foreign Relations of the United States, 1950-1955: The Intelligence Community https://web.archive.org/web/20080109144012/http://www.state.gov/documents/organization/96785.pdf

9 - Barstow, David (April 20, 2008), Behind TV Analysts, Pentagon’s Hidden Hand.

10 - Lamb, Christopher J.; Genalis, Paris (September 2005), Review of Psychological Operations: Lessons Learned from Recent Operational Experience https://fas.org/irp/eprint/lamb.pdf